الكتاب المدرسي.. وجعٌ آخر

إيناس ونوس:

مع بداية العام الدِّراسي، ومع كلِّ متطلَّباته ومستلزماته التي تثقل كاهل الأهل، وتحديداً هذا العام، بعد ارتفاع تكاليف المعيشة والأسعار بشكلٍ لا علاقة له بالمنطق، تواجهنا مسألةٌ جديدةٌ ألا وهي الكتاب المدرسي.

فبعد أن وزِّعت الكتب على تلاميذ المرحلتين الأولى والثانية من التَّعليم الأساسي، فوجئنا بأن معظم الكتب هي ممَّا يسمَّى مدوَّر أو مستعمل، ونسبة الكتب الجديدة تكاد لا تُلمس، لا سيما أن الكتب الجديدة هي من نصيب مواد مثل الرَّسم والموسيقا والمعلوماتية _ مع فائق احترامنا لهذه المواد_ بينما كان نصيب المواد الأخرى التي تعتبر أساسية وأكثر أهمية مثل الرِّياضيات واللُّغة العربية والعلوم و… إلخ نسخاً مستعملةً من السَّنة السَّابقة، فبدأ التلاميذ وأهلهم يضجُّون مستفسرين:

كيف لتلميذٍ في المرحلة الأولى أن يستخدم كتاباً محلولاً وهو في مرحلةٍ تعليميَّةٍ تأسيسية؟

كيف لتلميذٍ في الصَّفِّ التَّاسع أن يدرس في كتابٍ نصفه ممزَّق والنِّصف الآخر لا يوجد فيه مكانٌ ليكتب بخطِّه أو ليحلَّ الأسئلة؟

يترافق هذا الوضع مع طلب وزارة التَّربية من مديرياتها ومن فروع المؤسَّسة العامة للطِّباعة توجيه لجنة الكتاب المدرسي لاستلام الكتب من المستودعات، مع مراعاة توزيع الكتب بين قديمةٍ وجديدةٍ للطُّلاب بشكلٍ عادل، وعدم تسليم الكتب التَّالفة وغير الصَّالحة للاستخدام، إضافةً للالتزام بالتَّوزيع المجاني …إلخ.

أي إنَّه من المفترض أن تكون هناك نسبةٌ من الكتب حديثة الطِّباعة متوافرة، غير أنَّ الواقع الحيَّ في المدارس يقول عكس هذا الأمر، فهل يعقل أن يستلم تلميذٌ في الصَّفِّ الثَّالث أو الرَّابع الأساسي، وهما مثالٌ عن مرحلةٍ مهمةٍ وتأسيسيةٍ مثلاً، نسخةً كاملةً جميع كتبها مستعملةٌ بل وغير قابلةٍ للاستخدام، بذريعة أنَّ الوزارة لم تطبع هذا العام نسخاً جديدة؟!

مقابل هذا يتوجَّه غالبية الأهل إلى المستودعات والمكتبات الخاصَّة لشراء نسخٍ من الكتب جديدةٍ كليَّاً لأبنائهم ليتمكَّنوا من الدِّراسة فيها، وكانت الكتب متوافرة!!

نعم، متوافرة، رغم أنَّ أسعارها المطبوعة عليها ليست هي ذاتها التي يُعمل بها عند عملية البيع، بل إن السِّعر قد تضاعف أضعافاً وأضعاف، وليس أمام الأهل إلا الإذعان والشِّراء أو القبول بكتبٍ مهترئة.

هذا الواقع فرض أسئلةً كثيرةً برسم وزارة التَّربية ومديرياتها تخطر في بال كلِّ معنيٍّ بالأمر سواء كان من الأهل أو من الكوادر التَّدريسية أو الإدارية والتي هي في الواجهة دوماً:

_ لماذا لم تُوزّع جميع الكتب الجديدة الموجودة في المستودعات على المدارس ليصار إلى توزيعها على الطُّلاب بشكلٍ عادل، وفي حال لم تكن الكمية كافيةً يُستعان بالنُّسخ القديمة الموجودة في المدارس أساساً ويعاد توزيعها أيضاً بشكلٍ عادل؟

_ أين هي لجنة توزيع الكتاب المدرسي؟ ولماذا لم تقم بجولاتٍ على المستودعات قبل بداية العام الدراسي لتحصي نسب الكتب الجديدة أولاً، لتقوم ثانياً بالإشراف على توزيع كل ما هو موجود في تلك المستودعات على المدارس؟

_ لماذا يوضع الأهل في هذا الموقف المحرج أمام أبنائهم فإما أن يتكلَّفوا عناء شراء نسخٍ جديدةٍ باهظة الثَّمن من المستودعات، وإمَّا أن يقبلوا مرغمين لضيق ذات اليد بما تم توزيعه من كتبٍ قديمةٍ مهترئةٍ لأبنائهم؟؟ فيكونون كمن لا حول لهم ولا قوة، ما يجعل التَّمييز بين الطُّلاب متفشياً بشكلٍ واضح، ويجعل الطُّلاب ينظرون إلى أنفسهم وإلى أهلهم نظرةً دونيةً خجولة؟!

_ لصالح من يُعمل بهذه الطَّريقة التي تسيء بشكلٍ مباشرٍ للعملية التَّعليمية والتَّربوية بآنٍ معاً؟!

لا نزال في بداية العام الدراسي، وكلُّنا أملٌ أن يتمَّ تلافي كل تلك الأخطاء على أمل أن تتعافى العملية التَّعليمية في بلادنا من كلِّ ما تمرُّ به من أزمات.

العدد 1104 - 24/4/2024