الإدمان مرض الروح والنفس والجسد

ريم داوود:

كثيراً ما ساد الاعتقاد بأن الأشخاص الأذكياء أشخاص مميّزون ولهم قدرة خاصة، لاسيما إذا ما نشؤوا ضمن بيئة مناسبة تساعدهم على النجاح والتقدّم، لكن الحقيقة لا تجري على هذا المنوال دائماً، فهناك العديد من الأذكياء ممّن ساقتهم الأقدار نحو الهاوية، والقليلون منهم من وصلوا نحو النجاح. فطريق النجاح يحتاج إلى العديد من العوامل التي لابدّ لها أن تتوفر وبقوة، أيّاً كان مجال هذا النجاح مهنياً، اجتماعياً، علمياً أو حتى البقاء بصحة جيدة فهو حتماً نجاح.

  • سيكولوجيا الإدمان: الإدمان هو اضطراب يحصل في الدماغ، يرافقه مجموعة من العوامل البيولوجية الحيوية، والعوامل النفسية الاجتماعية. أثناء التقاط تصوير مقطعي بوزيتروني للدماغ تبيّن للمختصين التلف الناجم عن هذا الإدمان ضمن خلايا الدماغ، فقد أوضح التصوير المقطعي الفرق بين دماغ إنسان مدمن وآخر سليم، وتُعدُّ مشكلة المخدّرات من أكبر المشكلات التي تعانيها دول العالم لما لها من تأثيرات جسيمة على النواحي الصحية، الاجتماعية، النفسية، الاقتصادية والأمنية، فضلاً عن الأعراض التي ترافق الشخص المدمن والتي تتمثّل بالعزلة والانسحاب الاجتماعي ورفض الدور الموكل إليه، الإنكار والرفض للواقع المعيش، التبرير الدائم لحالة الإدمان وإلقاء اللوم على المحيطين به، الانحلال الأخلاقي الذي يدفع بالمدمن لفعل أي شيء بهدف الحصول على المادة المخدّرة. يمرُّ المدمن ضمن مراحل ثلاث هي:

-مرحلة الإعتياد التي يلجأ إليها المدمن بقصد التعوّد دون تحقيق نتائج نفسية أو عضوية.

-مرحلة التحمّل ويتمُّ خلالها زيادة الجرعات للوصول إلى النشوة المرجوة.

-مرحلة الاعتماد وهنا يصل المدمن إلى حالة اعتماد كامل على المادة المخدّرة تمنعه من الاستغناء عنها.

  • إدمان المخدرات بين المراهقين: تُعدُّ المراهقة مرحلة فاصلة بين الطفولة والرشد، وتعتبر من أصعب المراحل العمرية التي يمر بها الإنسان نتيجة للتقلّبات والتبدّلات التي تطرأ عليه نفسياً وجسدياً، لذلك أولى علماء النفس جلَّ اهتمامهم للحديث عن هذه المرحلة بكل تفاصيلها مُسلّطين الضوء على المشاكل التي قد يتعرّض لها المراهق، مُبيّنين أنماط هذه المراهقة التي تتراوح بين مراهقة متكيّفة، عدوانية متمرّدة، مراهقة مضّطربة ومنحرفة، تعود هذه الأنماط لشخصية الطفل التي شبَّ عليها منذ الصغر وآلية التربية والمحيط المرافق لذاك المراهق، فكلها عوامل تلعب دوراً كبيراً لعبور الإنسان من هذه المرحلة. واللاّفت في الأمر أننا في العقود السالفة سمعنا كثيراً عن مشاكل المراهقة من عناد، نفور، تسلّط، عدوانية، تسرّب دراسي، تدخين وغيرها من المشاكل السلوكية التي اعتدنا سماعها، إلاّ أننا بتنا نلاحظ وبشدّة إدماناً غير مسبوق لدى هذه الشريحة العمرية فتحوّلت إلى آفة اجتماعية تنهش مجتمعنا.
  • الأضرار النفسية والاجتماعية للإدمان: كما ذكرنا في مُستهل مقالنا أننا اليوم نعاني آفة العصر وخطراً لم يسبق له أن اجتاح مجتمعنا بهذا الشكل، فالمخدرات موت قاتل ونهاية بطيئة يتخلّلها مجموعة من الاضطرابات المصاحبة لهذا المدمن الذي تتسم شخصيته بما يلي:

-اضطرابات وشعور دائم بالقلق.

-خلل في إدراك الزمن والمسافات والأحجام.

-صعوبة وبطء في التفكير.

-حالات اكتئاب.

-إهمال للذات وانسحاب يرافقه عزلة شديدة.

-محاولات انتحار عديدة.

-عدم القدرة على العمل وممارسة الدور الاجتماعي الموكل إليه.

إن الشباب هم المكون الأساسي للمجتمع وهم عصب الحياة الأول، فعندما يدخل الشباب دائرة الإدمان يفقدون كل مقومات الحياة الكريمة، لذلك وجب علينا كآباء وأمهات أن نكون على قدر من الوعي والحكمة لدرء هذا الخطر عنهم والحيلولة دونه من خلال اتباعنا لما يلي:

– الإحاطة بأبنائنا ضمن أجواء أسرية مفعمة بالحب والحنان بعيداً عن العنف القسوة.

– أن يكون الوالدان قدوة حسنة لأبنائهم في المسؤوليات والواجبات وأن يؤديا دوريهما على أكمل وجه.

-أن يعي الآباء كيفية التعامل مع أبنائهم خاصة في مرحلة المراهقة التي تتطلّب منهم احتواءهم بغية حمايتهم من رفاق السوء.

– كما يجب على المجتمع والحكومة أن يعملا على ضبط كل أنواع المخدرات ومن يقوم بالترويج لها من خلال إبلاغ السلطات المعنية وتطبيق القانون.

-تنظيم ندوات توعية وتثقيف داخل المدارس والجامعات والمعاهد والمراكز الصحية بهدف توضيح مخاطر الإدمان وأضراره.

– علاج مشكلات الشباب التي تدفع بهم نحو الإدمان وحلّها، ومن ذلك مشكلة البطالة، عدم القدرة على تأمين العمل والسكن، والسعي دوماً نحو استثمار طاقة الشباب بالشكل الأمثل.

وأخيراً، لابدّ أن نقرّ بأن علينا تحصين أبنائنا ضدَّ آفات العصر الحالي من خلال دعمهم وتطويرهم وزرع روح المبادرة والثقة في ذواتهم، كذلك مساندتهم ومشاركتهم في اتخاذ القرارات بعيداً عن التسلّط والترهيب والعنف، فالغاية من إنجاب الأطفال هي استمرار الحياة لا قتلها، وأبناؤنا أمانتنا ورسالتنا التي بلغنا بها مهمتنا هي حمايتهم من كل أشكال الخطر المحيطة بهم.

العدد 1105 - 01/5/2024