دوافع جديدة للجريمة

إيناس ونوس:

وجِدَتْ المُخدّرات منذ القدم، فهي بطبيعتها الأولية أحد أنواع النباتات التي تنمو مثلها مثل كل الأنواع الأخرى، إنما بعد أن اكتُشف آثارها على الحالة الجسدية والنفسية، جرى استغلالها بطرقٍ متعددة، وباتت تجارةً رابحةً على مرّ العصور، ولتُحقق هذه التجارة أرباحها المرجوّة منها، يسعى القائمون عليها إلى نشر تلك المادة بأشكال ووسائل متنوعة، حتى صارت في متناول جميع الأعمار، لاسيما الشباب، الفئة العمرية الأكثر نشاطاً وتقبّلاً وحماساً لاكتشاف كل ما هو غريب وغير مألوف.

وبرغم انتشار أصناف المُخدّرات الكثيرة، إلاّ أن سبل الوصول إليها لا تزال تعتمد في غالب الأحيان على السرية والتكتّم لكونها مادةً مرفوضةً اجتماعياً، لما لها من آثارٍ على الصعيد المجتمعي، وعلى المستوى الصحي، إضافةً إلى الوضع الاقتصادي، فصار الحصول عليها يحتاج إلى أساليب تتنوّع بتنوّعها، فكلما كانت أكثر تخريباً للجسم والذهن، كانت أقل توفراً وبالتالي كان ثمنها باهظاً.

ولهذا يُصبح من المفروض على من يريد شراءها أن يوفّر المال المطلوب بأيّ شكل، فإما السرقة أو الارتهان لمشيئة شخصٍ آخر يستطيع تأمينها ومن ثم تلبية كلّ ما يشترطه، وربما تصل إلى حدود القتل، وبهذا فإن كل القيم الأخلاقية تنعدم بالمطلق عند المُتاجِر بهذه المادة وعند المُتعاطي على حدٍّ سواء، ذلك أن الهدف الأول والأخير يصبح هو الحصول عليها فقط، وهذا من شأنه أن يجعل المُرتهن لتلك المادة مدمناً ليس عليها فحسب، بل وعلى سلوك طرق متنوعة للحصول على المال اللاّزم لشرائها، وهذا يُشكّل سبباً إضافياً للجرائم التي تزداد يوماً بعد يوم، والتي تُعتبر أحد أهمّ العوامل التي تؤدي إلى تفكك المجتمع وتشتت علاقاته وانعدام التماسك المجتمعي الذي من المفترض أنه شرط لازم لنهوض أي مجتمع. يُضاف إلى ذلك أن الشخص الذي يسعى بشتى الوسائل للحصول على المُخدّرات يُصبح مشغول الذهن، ومُقيّد التفكير بهدف واحد فقط، ملغياً من ذهنه الاهتمام بأمورٍ أخرى من شأنها أن تسعى لتطويره وتقدّمه، فلا يأبه بدراسةٍ أو بتحصيلٍ علمي، ولا بعملٍ، ولا بأسرة، فيُصبح إنساناً مستلباً سلبياً مُتحولاً فيما بعد إلى عالةٍ على كل من حوله، ليس فقط مادياً، بل وصحياً نظراً لأن عواقب الإدمان خطيرة على صحة المدمن، إضافةً إلى أنه يُصبح منبوذاً اجتماعياً وهذا حتماً سيطول أفراد أسرته بشكلٍ أو بآخر.

الشركات المسؤولة عن بيع المُخدّرات وترويجها توجهت بأسلوبٍ مُمنهج إلى مجتمعاتٍ كمجتمعاتنا لم تعرف حتى اليوم التعامل بطريقة صحيحة وصحيّة مع هذه الآفة، في حين نجد أن بعض المجتمعات الغربية قد سمحتْ قانونياً بتناول بعض الأنواع ضمن نسب معينة لا تُضرّ ذاك الضرر الكبير بالصحة سواء الشخصية أو المجتمعية، فيما جرّمت التعاطي الذي يُضرّ بالمصلحة العامة، وفرضت العقوبات الصارمة مما أدى للالتزام بتلك القوانين واحترامها، بينما نحن لا نزال نقف خلف إصبعنا ونتباهى بمحدودية انتشار المخدرات – هذا إن أعلنّا عن وجودها- فيما هي تستشري في المجتمع سواء في المدارس أو الجامعات أو بين الشباب الذين لم يروا النور بعد.

بالتأكيد ليس الحل أن يُسمح بانتشار المُخدّرات في مجتمعنا، إنما أردت أن نكون صريحين مع أنفسنا أولاً، وألا نتجاهل هذه الظاهرة المُتفشّية حدّ الرعب، ثمَّ فلنُعطِ القانون حقه فيُقرّ العقوبات الأشدُّ صرامةً مع الجميع تُجّاراً ومتعاطين، فلا نُجرّم البعض ونطبق عليهم القوانين، فيما نترك البعض الآخر حراً طليقاً، فنكون مشاركين حقيقيين، بل مسؤولين، في انتشار هذا المرض اللعين الذي سيودي حتماً بنا جميعاً إلى التهلكة.

العدد 1104 - 24/4/2024