داء بلا دواء

نور سليمان:

الأدوية غير المشروعة، أو(المخدرات) ويطلق عليها مصطلح أدوية الشّارع في بعض الحالات، تعتبر من أخطر ما يمكن تعاطيه من قبل الفئة الشّابّة خاصّة، لما تسبّبه من مضاعفات صحيّة عديدة ومختلفة، وتعتمد هذه التّأثيرات والمضاعفات على عدَّة عوامل مختلفة، مثل: كمية المادة المخدّرة المستخدمة ونوعها، وعدد أنواع المخدّرات المستخدمة في الوقت نفسه، والحالة الصحية للشخص ووزنه، والحالة والمكان الذي استخدمت المخدّرات فيه.

ومن الجدير بالذّكر أن للمخدّرات أنواعاً عديدة ولا تقتصر على الأدوية فقط، إذ إنّها تتضمن بعض المواد الأخرى عند عدم استخدامها بطرق شرعية، مثل: استنشاق بعض مواد الطّلاء بشكل متعمّد وبكميات كبيرة، واستنشاق مواد الغراء أو الصّمغ، ويجب التّنبيه إلى أنّه توجد للمخدرات مصادر عديدة يمكن بيان بعض منها فيما يأتي:

النباتات: ومنها مخدّرات الماريجوانا (Marijuana)، أو القنّب (Cannabis)، وبعض أنواع الفطر المخدّر. المواد الكيميائية المُصنّعة: ومنها الأمفيتامينات (Amphetamine). نواتج النباتات المعالجة: ومنها الكحول، والهيروين (Heroin). ومن المفيد ذكره أنه وبحسب دراسة أجريت حول العالم نشرت في مجلة عالمنا في بيانات (Our World in Data) عام 2019م، تقول: إنّ استخدام المخدّرات والإفراط في تناول الكحول يؤدي إلى وفاة ما يقارب 350 ألف شخص سنويّاً، كما أن استخدامها يُعدُّ من الأسباب الرئيسية المؤدية إلى الوفاة في العديد من الدّول حول العالم، وعلى سبيل المثال عام 2017م كان عدد الوفيات السنوية الناجمة عن استخدام المخدرات في أمريكا يفوق عدد الوفيات الناجمة عن حوادث السير.

تُصنّف المخدّرات في ثلاث فئات رئيسية بناءً على تأثيرها في الجسم، وتجدر الإشارة إلى أن بعض أنواعها قد تُصنّف ضمن أكثر من فئة، مثل مخدّرات القنّب التي تُصنّف ضمن فئات المخدّرات الثلاث الرئيسية، ونذكر منها:

-المنشطات: تُحفّز المنشطات أو المنبهات (Stimulants) الجهاز العصبي المركزي في الجسم، وتعرف بأنّها أحد أنواع الأدوية النفسيّة التي تحفّز الوظائف العقلية والبدنيّة، كما توصف بشكل طبيعي وضمن جرعات مناسبة لعلاج العديد من المشاكل الصّحيّة، مثل: مرض الربو (Asthma)، واضطراب النوم القهري أو التغفيق (Narcolepsy)، إضافة إلى وصف هذه الأدوية في بعض الحالات للمساعدة على خسارة الوزن الزائد بسبب تأثيرها في فقدان الشهية، وتتوفر عادة على شكل حبوب فموية، إلاّ أنها قد تتوفر على شكل طعام، أو شراب، أو مواد يتم استنشاقها، كما تستخدم هذه الأدوية بطريقة غير شرعية لدى بعض الطّلاب والرّياضيّين لتحسين أدائهم الرّياضي أو الدّراسي، وتعدُّ العقاقير المنشطة من أنواع المخدّرات الخطيرة التي قد تسبب الوفاة، وفي حال استخدامها بشكل متكرّر وبجرعات عالية فقد تؤدي إلى إصابة متعاطيها بالفصام، أو ما يعرف بانفصام الشخصية (Schizophrenia) بسبب التأثيرات التي قد تظهر على الشخص، مثل جنون الارتياب (Paranoia)، والذهان (Psychosis)، إضافة إلى أن تعاطي هذا النوع من العقاقير يسبّب الإدمان، ومن أنواع العقاقير المنشطة: الأمفيتامينات، الكوكايين (Cocaine)، الكافيين (Caffeine)، الإكستاسي (Ecstasy)، النيكوتين (Nicotine).

-المهدئات: تثبّط المهدئات أو المهبطات(Depressants) الجهاز العصبي المركزي في الجسم، ممّا يسبب الشعور بالراحة والاسترخاء، وتوصَف من قبل الطّبيب لعلاج العديد من المشاكل الصّحيّة مثل بعض الاضطرابات العقلية، واضطرابات النّوم، إذ تحفّز هذه الأدوية الشعور بالاسترخاء، وزوال التعب والإرهاق، إلاّ أنّ هذه الأدوية عند استخدامها بشكل مفرط تسبب الشعور بالابتهاج، أو ما يعرف بالنشوة (Euphoria) وهذا بدوره يؤدي إلى ارتفاع خطر استخدام الشخص لجرعة مرتفعة من المخدّرات المهدئة، لذلك تُعدُّ من أكثر أنواع المخدّرات انتشاراً وأكثرها خطورة، إضافة إلى تأثيرها المغري في المراهقين للتّخلّص من الهموم اليوميّة التي قد تواجههم، لذلك قد يصف الطبيب أحد أنواع المهدئات بجرعة مناسبة لعلاج بعض المشاكل الصحية التي تؤثر في قدرة الشخص على الاسترخاء، مثل اضطرابات الأرق (Insomnia)، والقلق النفسي (Anxiety)، واضطراب الوسواس القهري (Obsessive–compulsive disorder) ومن أنواع المهدئات: القنّب أو الماريغوانا، الكحول، الكيتامين (Ketamine)، المسكنات الأفيونية (Opioids) مثل: الهيروين، والكودين (Codeine) والمورفين (Morphine) الجاما هيدروكسي بيوتيريت (Gamma-Hydroxybutyric) واختصاراً GHB. البنزوديازيبينات (Benzodiazepines) مثل دواء ديازيبام (Diazepam).

-المهلوسات: يؤدي استخدام العقاقير المهلوسة Hallucinogens) إلى اضطراب حواس الجسم المختلفة مثل: النظر، السمع، الشم، والشعور بالأشياء المحيطة، وتعرف أيضاً بمعطّلات الإحساس أو مخلات النفس في شخصية مستخدميها وقدرتهم على استيعاب الواقع من حولهم، ومن هذه المهلوسات أنواع يبدأ تأثيرها خلال مدة زمنية قصيرة، ومنها ما يحتاج إلى مدة أطول لبدء التأثير، وتختلف التأثيرات المصاحبة للمهلوسات بحسب نوعها، منها: رؤية بعض الأجسام والأشياء الوهمية حول الشخص، أو سماعها، أو الإحساس بها. الانفصال عن الواقع. التقلبات المزاجية. الشعور بقوة البصيرة أو الفراسة. اضطراب الشعور بالوقت والمكان. اضطرابات روحانية. ويمكن تقسيمها إلى نوعين رئيسين، المهلوسات الاعتيادية أو الكلاسيكية، مثل: ثنائي إيثيل أميد حمض الليسرجيك (Lysergic acid diethylamide) واختصاراً LSD، أما النوع الثاني ما يعرف بمهلوسات التفارق (Dissociative drugs)، مثل: دواء الفينسيكليدين (Phencyclidine) إذ تؤثر هذه الأدوية في شعور الشخص بفقدانه للسيطرة أو انفصاله عن العالم من حوله.

توجدُ العديد من الآثار الصّحيّة للإدمان على المخدّرات، بما فيها آثار قصيرة وطويلة الأمد، والتي غالباً ما تشمل جميع أعضاء الجسم المختلفة، وتعتمدُ على عدد من العوامل مثل: صحّة الشّخص، وكميّة المخدّرات التي تم تعاطيها ونوعها، وتجدر الإشارة إلى أن تعاطي المخدّرات يؤدي إلى ارتفاع خطر الإصابة بعدد من الأمراض التي تنتقل عبر الدم بسبب مشاركة الحقن والمعدّات المستخدمة للحصول على المخدّرات في العديد من الحالات، وقد تتضمّن هذه الأمراض عدوى فيروس العوز المناعي البشري (Human Immunodeficiency Virus)، والتهاب الكبد الفيروسي سي (Hepatitis C) والتهاب شغاف القلب (Endocarditis) والتهاب النسيج الخلوي (Cellulitis)، ومن الاضطرابات والآثار الصحية الأخرى التي قد تصاحب إدمان المخدّرات يمكن ذكر ما يأتي: أمراض الجهاز التنفسي، ضعف الجهاز المناعي، ارتفاع الضّغط والجهد على الكبد، ممّا يؤدي إلى ارتفاع خطر الإصابة بتلف الكبد أو فشل الكبد، أمراض القلب والشرايين، ألم البطن والغثيان، الذي قد يؤثّر في الشّهية والوزن. تضرر الدماغ، والاضطرابات العقلية، والنوبات العصبية. اضطراب الذاكرة والانتباه والقدرة على اتخاذ القرارات. زيادة حجم الثدي لدى الرجال. كما يؤدي استخدام الأمّ الحامل لأحد أنواع المخدّرات أثناء الحمل إلى إصابة الجنين بما يعرف بمتلازمة الامتناع الجنيني (Neonatal abstinence syndrome) بعد الولادة، وهي عبارة عن مجموعة من أعراض الانسحاب التي تظهر على الطفل بسبب انقطاعه عن المادة المخدّرة التي كانت تستخدمها الأم أثناء الحمل، وقد تتضمن هذه الأعراض النوبات العصبية والحمى، واضطرابات النوم والرضاعة، والارتعاش، وتعتمد هذه الأعراض وشدّتها على نوع المخدّرات المستخدمة أثناء الحمل، وقد يعاني بعض الأطفال الرضّع من اضطرابات النمو، والانتباه، والتفكير، كما تجدر الإشارة إلى أن العديد من أنواع المخدّرات يمكن أن تنتقل من حليب الأم إلى الطفل الرضيع.

الآثار النفسية والعقلية: ربطت الإصابة بالعديد من الاضطرابات النفسية والعقلية بإدمان المخدّرات، وفي الجهة المقابلة فإن المعاناة من أحد هذه الاضطرابات يؤدي إلى ارتفاع خطر إدمان الشخص للمخدّرات، وكما ذُكر سابقاً فإن إدمان المخدّرات يؤدي إلى حدوث عدد من التغيرات النفسية والدماغية طويلة الأمد وقصيرة الأمد، وتعدُّ الرغبة الشديدة في استخدام المخدّرات وشعور الشخص بعدم قدرته على متابعة حياته دون استخدامها أحد الآثار النفسية لها، وفيما يأتي بيان لبعض الآثار النفسية والعقلية الأخرى المصاحبة لاستخدام المخدّرات: جنون الارتياب (Paranoia)، القلق النفسي (Anxiety) الهلوسة، الاكتئاب، التشوّش، التقلّبات المزاجية، الرغبة في الانخراط ببعض الممارسات المحفوفة بالمخاطر والعنف.

الآثار الاجتماعية: إن آثار إدمان المخدّرات لا تقتصر على الفرد وإنما تمتد للعائلة، والأصدقاء، والمجتمع، والعمل، وفيما يأتي بيان لبعض تلك الآثار:

الأزمة المالية: نتيجة لتأثير إدمان المخدّرات في المحافظة على عمل ثابت، والتكلفة المرتفعة للحصول على المخدّرات خصوصاً نتيجة الحاجة المتكرّرة والمتزايدة لها، فإن الشخص غالباً ما يعاني من أزمة مالية ناجمة عن إدمان المخدرات.

المشاكل الزوجية: تعتمد العلاقات الزوجية على الثقة المتبادلة، وعلى العكس من ذلك فإن إدمان المخدّرات يكون مصحوباً بالكذب، والهدر المالي للزوجين، والخداع، وهو ما قد يؤدي إلى المشاكل الزوجية، أو حتى إنهاء العلاقة الزوجية في بعض الحالات.

نفور الأصدقاء: يصاحب تعاطي المخدّرات العديد من السلوكيات التي قد تؤدي إلى نفور الأصدقاء وابتعادهم عن الشخص المدمن، مثل عدم الاهتمام بالآخرين ومشاعرهم، والخداع، وتقلّبات المزاج، وبعض التغيّرات في الشخصية.

تقييد الحرية: نتيجة الاضطرابات العقلية والعجز المالي وعدم القدرة على العمل التي تصاحب إدمان المخدرات، فإن الشخص قد يلجأ إلى السرقة، وكسر بعض القوانين، أو ممارسة بعض الجرائم، والتي قد تؤدي إلى تقييد حرية الشخص المدمن أو دخوله إلى السجن.

التفكك الأسري: يؤثر الشخص المدمن سلباً في عائلته جميعها نتيجة عدم ممارسته أيّ دور فعّال فيها، إضافة إلى عدم المشاركة في الأنشطة العائلية التي تتضمّن تقديم الرعاية للأفراد الآخرين، وذلك عدا الأزمة المالية التي قد تنتج عن حاجة الشخص المدمن الكبيرة للتمويل المالي، وأخذ حق الأفراد الآخرين في العائلة في العديد من الحالات.

انخفاض مستوى التعليم: نتيجة التغيُّب عن العديد من الحصص الدراسية أو ترك المدرسة بشكل تام لدى المراهقين المدمنين، إضافة إلى المعاناة من اضطرابات معرفية وسلوكية لدى مدمني المخدّرات.

ارتفاع معدّل العنف: يرتبط العنف بشكل مباشر بإدمان المخدّرات، وقد أظهرت إحدى إحصائيات وزارة العدل الأمريكية أنّ ما يزيد عن 750 ألف جريمة وقعت عام 2007م في أمريكا مرتبطة مع إدمان المخدرات أو الكحول.

ووفقاً لأطلس منظمة الصحة العالمية-الوحدة الخاصة، فقد أُفيد بأن 3,5%-5,7% ممن تتراوح أعمارهم بين 15 و 64 سنة على الصعيد العالمي يستخدمون مخدرات غير مشروعة، لكن يقدَّر أنّ ما بين 10% و15% منهم يصابون بنمط من الاستخدام الضار. ويُقَدَّر بأن انتشار اضطرابات تعاطي المخدّرات في إقليم شرق المتوسط يبلغ 3500 لكل 100000 نسمة، وأن انتشار تعاطي المخدّرات حقناً هو 172 لكل 100000، وأنّه مسؤول عن فقد 4 سنوات من العمر المعدل باحتساب العجز و9 حالات وفاة لكل 1000 نسمة، مقارنة مع فقد سنتين من العمر باحتساب العجز وأربع حالات وفاة لكل 1000 نسمة على مستوى العالم.

وأمام هذا الواقع وتفاقم الظاهرة لم تعد سورية مجرّد طريق عبور للمخدرات وحسب، بل أصبحت مستهلكةً لها، في ظلّ الانتشار والتّعاطي دون حسيب أو رقيب، وضعف الجهود لمنع تفاقمها، وهناك عوامل عدّة ساعدت على انتشار المخدرات في المنطقة، منها التّفكّك الأسري في المجتمع، والإحباطات والاضطرابات العقلية، ورفاق السوء، والبطالة، وتردي الأوضاع المعيشية والاقتصادية والأمنية، ويذكر أنّ معظم المدمنين يعانون من الاضطرابات العقلية.

وأشارت معلومات إلى انخفاض سن تعاطي المخدرات بين الشباب. فبعد أن كانت هذه الظّاهرة منحصرة في الفئة العمرية فوق سن 30، أصبحت تضمّ من هم في عمر (11-14) سنة نتيجة انتشارها الكبير في المجتمع، لاسيّما مع تدهور الواقع الاقتصادي وتفاقم الفقر والبطالة، ما دفع نسبة كبيرة إلى استخدام المخدّرات أو الاتجار بها، إمّا للهروب من الواقع الذي يعيشه المتعاطي أو لتوفير موارد مالية، هذا إضافة إلى الأميّة والجهل الذي انتشر نتيجة سنوات الحرب.

ومن بين حالات الإدمان الأكثر انتشاراً (هناك الإدمان على الحشيش بنسبة كبيرة، ثم يأتي بعد ذلك الإدمان على أدوية مثل الترامادول والكبتاغون، التي يشبه تأثيرها إلى حد كبير نتائج وتأثير المخدّرات، فبعض الشّباب السّوري أصبح يتعاطى الأدوية المهدئة والمهلوسات، زيادة على إدمانه على الكحول والمخدّرات.

ومن أهم أسباب انتشار المخدّرات في بعض المناطق غياب الرقابة والفوضى الأمنية، وانتشار الصيدليات غير المرخّصة التي تبيع بعض أنواع الأدوية التي تنافس المخدّرات في تأثيرها، والفساد، وتتزايد ظاهرة انتشار المواد المخدّرة في عموم المناطق التي تعاني حالة الفلتان الأمني التي شهدتها معظم المناطق السّورية، والتي جعلت من هذه التجارة أمراً اعتيادياً وسهل التّداول وأمام العلن، في انتهاكٍ صارخ لجميع الأخلاق والقوانين، ويتم تصريف المخدّرات من خلال تجّار أو عبر وسطاء يعملون في مجال بيع المخدّرات، بشكل سري، وعن طريق مركبات ووسائط نقل عامة وخاصة، وذلك بعد الحرص على تمويهها.

كما ونشرت صحيفة (الغارديان) البريطانية تقريراً وصفت بهِ سورية أنّها (دولة مخدّرات)، حيث بات تصنيع مخدّر الكبتاغون في قلب الأراضي السّوريّة مصدر كسب مالي كبير لاقتصاد منهار بعد سنوات الحرب التي قتلت وهجّرت ملايين السّوريين وهدمت المدن والأحياء السكنية.

لذلك على الحكومة والجهات المختصّة التّعامل مع هذه الظّاهرة بشكل أفضل، ومنع انتشارها بين الشّباب، واهتمام المراكز المتخصّصة بالتّوعية لمخاطرها، ونتائجها الخطيرة على الأفراد والمجتمع.

العدد 1107 - 22/5/2024