الأخلاق تنهار.. (هي ظاهرة وليست دليلاً)

ديانا رسوق:

رغم أن ثمة من يتفق من المهتمين بحقول السياسة والثقافة والأدب، على مسألة تشكل حالة من القلق على الصعيد اﻻجتماعي، فحواها عزوف الشباب عن متابعة الفعاليات الثقافية والأدبية، وتوجه قسم كبير منهم باتجاه النشاطات الفنية اﻻستعراضية والغنائية، إلا أنهم اختلفوا في تحديد الأسباب، فمنهم من ردّها إلى التداعيات الناجمة عن سنوات الحرب وأثرها على الحياة من جوانبها كافة، ولاسيما لجهة الهجرة وهروب الكفاءات وحالات التسرب المدرسي والجامعي، ومنها من ردّها إلى إقبال الجيل الحالي على وسائل التواصل الاجتماعي وما تقدمه من معلومات أقل ما يقال عنها (سطحية) هذا إن لم تكن ذات أبعاد مشبوهة، تؤثر على سوية الوعي الإنساني!

الدكتور بالإرشاد الاجتماعي نضال الجندي وصف ظاهرة التهافت على الفنانين بأنها ليست حديثة المنشأ وإنما تعود للزمن القديم أيام عبد الحليم حافظ وأم كلثوم ومحمد عبد الوهاب.

وهي أيضاً ظاهرة موجودة في المجتمعات الغربية والشرقية على حد سواء

ولكن طريقة التعبير عن هذه الظاهرة تختلف عن الماضي، فقد أصبحت تتمثل في الوقت الحالي في الصراخ الهستيري والجري نحو المسرح بطريقة أقرب للهجومية، من أجل احتضان الفنان بطريقة مبالغ فيها والتقاط الصور عن طريق الجوال، وفي كثير من الأحيان نرى تدافع المعجبين بشكل كبير فيما بينهم يصل إلى إصابات البعض منهم بالجروح بهدف فقط الوصول إلى الفنان من أجل مصافحته. وتحدث الجندي عن أهم أسباب هذه الظاهرة:

  • اولها أن أغلب المعجبين من فئة المراهقين والشباب يجدون في الفنانين القدوة بسبب الشهرة والماركات والسيارات والبيوت الفخمة والحارس الشخصي وملاحقة وسائل الإعلام لهم.

وما تقوم به وسائل التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام من إبراز ونشر هذه الظاهرة وكأنها حدث كبير.

  • التنشئة الأسرية وثقافة المجتمع التي تعطي أهمية للفن على حساب باقي المهن على سبيل المثال البرامج التلفزيونية ذات الطابع الفني نجدها بكثرة على حساب بقية البرامج الأخرى التي ترتبط بمجالات مختلفة كالطب والفضاء والمجتمع والثقافة.

وأرجع الدكتور الجندي سبب تراجع الوعي لدى الشباب إلى مستوى الفن الحالي الذي كان يعتمد سابقاً على الكلمة واللحن والصوت، وإنما اليوم يعتمد أكثر على الشكل واللبس، موضحاً أن هذا لا يقلل من قيمة الفن والفنانين، فمازال هناك من يبحث عن الموهبة الحقيقة.

من وجهة نظر المعلمة التربوية رولا قالت إن هذه الظاهرة موجودة في كل المجتمعات كحالات الإعجاب والهوس بالفنان ولا يجوز الاعتماد عليها بشكل بالغ الشدة على مقدرات الشباب، فهم برهنوا خلال سنوات الماضية على فعاليتهم من خلال مبادرات مجتمعية إن دلت على شيء فتدل على فهمهم العميق للظواهر والأحوال (تفشي وباء كورونا) فكان دورهم بتقديم السلل الغذائية.. وتأمين اسطوانات الأوكسجين.

ويجب علينا نفي أن هذه الظاهرة مقياس لجهل وقلة ثقافة الشباب، على الرغم من وجودها وهناك تراجع بالوعي، لكن المسؤول هو أن ذلك هو نتاج حرب عشر سنوات وهذا ما هو إلا نتاج تراجع مساهمة الشباب بالفعاليات الاجتماعية الفكرية الإبداعية، وذهابهم باتجاه الرياضة والحفلات الفنية. أما غيابهم عن هذه الفعاليات لها مبرراتها فهم ليسوا المسؤولون الوحيدين إنما الحكومة والتربية ووزارة الثقافة والإعلام والشؤون الاجتماعية والإرشاد النفسي في المدارس.

الدكتورة بالإرشاد الاجتماعي وفاء الحسين ذكرت أن تلك الظاهرة لا يمكن إرجاعها لسبب معين فقط لأنها تتعلق بعدة حالات وبعلم الاجتماع أسلوب التربية والتنشئة وروتين وأسلوب الحياة الذي يعيش به الفرد تعتبر اشياء أساسية فلو أتينا بمثال حب وهوس الموضة وماركات معينة تعتبر حلم عند الشباب ينطبق ذلك تماماً على علاقته بالفن واعتبار الفنان هو المثل الأعلى بالحياة وترسخت تلك الفكرة بدماغهم، وعند توافر أي فرصة للقائه تكون ردود الفعل مختلفة ومتفاوتة من شخص لآخر، ويتوقف ذلك على البيئة والمعتقدات والتربية والأفكار.. لكن في الوقت نفسه هناك حالات عند البعض تندرج تحت مسمى إرضاء الغرور، فمن وجهة نظرهم عندما يتصور أحدهم مع الفنان يعطي قيمة لذاته، فهذا من جانب إرضاء الغرور (كالماركات). وهناك أشخاص يريدون التميز عن الأصدقاء ويكون كذلك عندما يلتقط الصورة مع هذا الفنان الذي هو بنظره حلم الشباب.

وهنالك نوع آخر من الشباب يعتمد مبدأ (كما يمشي الناس امشي) فالجميع تصوروا وأخذوا صور السيلفي وأنا سأفعل لماذا لا أكون مثلهم؟!

وأشارت الدكتورة إلى أن الناس الذين يبالغون بردود أفعالهم يكون لديهم مشاكل نفسية يتم تعويضها عن طريق هذه التصرفات. ومن وجهة نظر الحسين لا يوجد شخص سوي وطبيعي ينهار من البكاء لمجرد رؤية هذا الشخص، إلا بحالات التشبيه بينه وبين أشخاص اعزاء على قلبه، وردود الأفعال بأكملها ترتبط دوماً بالبيئة لدى الشخص وأفكاره وكيف كانت طفولته، وتبرز من خلال هذه المواقف من خلال حفلة أو لقاء فنان مشهور في الشارع.

ما ذكرناه سابقاً يتمحور على ظاهرة عزوف أكثر الشباب عن المشاركة بالحياة الثقافية والاهتمام بها.. فعلى سبيل المثال ندوات وزارة الثقافة التي تكون تحت عنوان (طموح الشباب اليوم) نرى المقاعد فارغة.. في حين نرى أثناء الفعاليات الرياضية وجود ثلاثين ألف متفرج. والأمر ذاته ينطبق على حفلة غنائية لمطرب فنرى خمسين ألفاً تهافتوا على الحضور.. بينما مهرجان اتحاد الكتاب والشعراء العرب يكون الحضور قليلاً.. هذه المفارقة تدعو لليأس في بعض الأحيان، ولكن هذا الشكل الذي تظهر فيه أزمة الشباب هم ليسوا مشاركين ولا حتى ساهموا فيه، بل هم أحد تداعياتها الصعبة التي مرت على الشباب بشكل خاص، في حين من المفترض أن هذا الجيل هو من يجب الاستناد عليه كأن يكون أداتنا الرئيسية لإعادة بناء سورية من جديد، ولكن إذا كانت هذه المظاهر تظهر فكيف لهم بناء سورية؟ ومن سيبنيها؟

ولو أمعنا النظر فنرى نتاج هذه الظاهرة خطيراً على المجتمع وينبغي معالجتها بحكمة وبعد نظر، لأن التعامل مع الشباب كالتعامل مع قطعة ثمينة يخشى عليها من كل شيء، لأنهم بمرحلة عمرية خاصة لتكوين الذات والرأي.. ويحتاج هذا الشاب إلى دعم، ما يوجب التعامل بحكمة ودراية تامة وأن لا تحول الوصاية والحكم على تصرفاتهم دون تلبية طموحهم. إن كان هناك أمر يستحق العمل عليه حالياً فهو إعادة بناء الإنسان معرفياً وفكرياً وأن نسأل انفسنا جيداً: هل الشباب هم بناة المستقبل وهم نتاج لكل شيء بالوقت نفسه؟!

ربما يكون علاج الظاهرة بالدرجة الأولى هو البدء بإعادة تكوين الوعي عند الطفل السوري ليكون فاعلاً ويجب أن تكون المرحلة الأهم هي المرحلة التعليمية.

فالشباب القائمون على هذه المرحلة العمرية الموجودة من الشباب حالياً يجب عليها مهام ولكنها في الوقت نفسه تعاني، فما العمل؟

أليس من الأصح أن نسمع همومهم ومشاكلهم ونعمل بجد لتلبية مطالبهم، قبل أن نفرض عليها الوصاية، فقبل الحكم عليها علينا أن نزيل كل العقبات أمام متابعتها العلمية والثقافية، فأغلب حالات التسرب الجامعي ما هي إلا للعمل ومساعدة الأهل بالمسألة المعيشية بعد أن أصبح الأهالي يعانون في تأمين لقمة العيش فكيف لهم أن ينفقوا على متطلبات أبنائهم الجامعية. ولو نظرنا إلى متوسط الراتب لا نستطيع لوم الأهالي. هموم هؤلاء الشباب يجب أن تكون في اولوية كل الخطط لأن مسألة إعادة بناء الفئة الشابة هي مفاتيح المستقبل.

أخيراً.. قد نشهد ظواهر اجتماعية سلبية أخرى تختص بالفئة الشابة، لكننا نؤكد هنا أنه لا يجوز الحكم عليها إلا بالارتباط مع الظروف الاجتماعية والمعيشية والسياسية التي وضعت شبابنا في وضع يحتاج إلى تركيز الجهد الحكومي والاجتماعي لدعمهم ومساندتهم وتلبية متطلبات ريادتهم للمستقبل السوري الواعد.

 

العدد 1105 - 01/5/2024