بين العرب وجائزة نوبل قطيعة

د. أحمد ديركي:

عند الحديث عن شعوب العالم، يبحث كل شعب عن موقعه في صناعة التاريخ، وبعد ذلك يكون الحديث عن مدى مساهمته في صناعة الحاضر، ثم يمكن الانتقال إلى الحديث عن المستقبل والبحث حول سبل وإمكانية تطوير الحاضر من أجل مستقبل أفضل لهذا الشعب أو ذاك. ولا يمكن لكل هذه الصيرورة أن تحدث من دون الاستفادة مما مضى، بمعنى الاستفادة من الماضي في صناعة الحاضر، الذي يؤسس للمستقبل. لكن هذا لا يعني مجرد التغني بالماضي والعيش في مومياء الماضي.

العيش راهناً، بمعنى الحاضر، في مومياء الماضي يساعد على سرعة تعفن المومياء في الحاضر، فيصاب الحاضر بمرض التعفن، ويصبح الحديث عن المستقبل لا معنى منه لأنه سوف يبنى على عفن مومياء الحاضر، هذا إن كُتب لمستقبل كهذا أن يبقى على قيد الحياة.

كلمة شعوب هنا مقصود بها أمم، أي دول. لأن الحاضر الحالي يقسم العالم إلى شعوب ضمن دول ذات حدود سياسية يسكنها شعب يحمل جنسيتها، طبعاً هذا هو الواقع الراهن. لكن هناك استثناء يعرف بفلسطين. فهذه الدولة يحتلها كيان مغتصب لأرض فلسطين وشعبها المقاوم.

لكن لماذا هذا الاستثناء؟ أي لماذا فلسطين محتلة من قبل كيان غاصب؟ لقد احتلّ الكيان الغاصب فلسطين في الماضي، ما زال في الحاضر يقضم فلسطين وشعبها، ويبدو أنه في المستقبل القريب لن يبقى من فلسطين وشعبها سوى بعض شذرات من قطع أرض مقطعة الأوصال ومتبقيات شعب على هذه الشذرات من الأرض، والبقية منه مشتتة في دول العالم. وقد يمنح هذا الكيان الغاصب لأرض فلسطين من تبقى من شعب فلسطين بعض رئاسة بلدية، بلا صلاحيات، هنا أو هناك!

أليست فلسطين عربية؟ لا يجرؤ أحد على أن يقول إنها ليست دولة عربية. أليس الشعب الفلسطيني عربياً؟ لن يجرؤ أحد على القول إنه ليس عربياً. ألا تحيط الأنظمة العربية أرض فلسطين، وتنتشر هذه الدول العربية إلى أبعد من أرض فلسطين؟ الإجابة نعم. أليست هذه الدول العربية غنية؟ نعم، بعضها غني جداً، دول نفطية، وبعضها الآخر غني لأنه زراعي نفطي، وبعضها فقير لا هو زراعي ولا هو نفطي، بل يعتاش من فتات المساعدات الخارجية، أو من موقعه كمحطة ترانزيت. وهذا أمر طبيعي ضمن سيادة النظام الرأسمالي على العالم. لكن ألا يوجد جامعة الدول العربية لتعمل على سد هذه الفروقات بين الدول وتحرير فلسطين؟ نعم موجودة وتعقد لقاءات تكلف مليارات الدولارات ويوجد من يعمل فيها برواتب شهرية مغرية جداً. لكنها عطلت نفسها عن العمل مثل الأنظمة العربية. فهي منظمة تعمل ضمن إدارتها الداخلية لا علاقة لها بما يجول خارجها. أي تعمل على تنظيم المؤتمرات واللقاءات وتحضير قاعة الاجتماعات وحجز الفنادق لزوارها عند عقد اللقاء والنقل… أي انها مؤسسة تعمل على إنجاز إجراءات الاستقبال والتوديع! وكذلك الأمر بالنسبة للأنظمة العربية، فهي تتعاطى بشؤونها الداخلية فقط، وبعض الإجراءات المحددة لها بدول الجوار.

في البحث عن أسباب هذا الواقع العربي يمكن القول إن هناك ملايين الأبحاث التي أجريت لمعرفة الأسباب، ولكن قلة تعاطت مع علاج هذه الأسباب، أو ندرت تطبيقات معالجة هذه الأسباب. ومن ضمن الأسباب المعتاد تكرارها: الاستعمار. لكن الاستعمار المباشر رحل! الإجابة الأخرى مخلفات الاستعمار. لكن على هذه المخلفات أن تزول بعد فترة من رحيل الاستعمار المباشر! وألف سبب مشابه.

قد تكون جائزة نوبل أحد أسباب الواقع العربي! نعم جائزة نوبل! بمعنى آخر يبدو أن العرب يقاطعون جائزة نوبل، بمعنى المساهمة في التقدم العلمي. فللعلم شروط، والمسألة ليست فقط وجود جامعات، بل المسألة العلمية أبعد من هذا لارتباطها الجدلي مع بنية النظام القائم.

وقع ألفرد نوبل على وصيته عام 1895 التي تنص على منح جزء كبير من ثروته ليصبح سلسلة من الجوائز في مجالات الفيزياء، والكيمياء، والطب، والأدب والسلام. وفي عام 1968 أضاف البنك المركزي السويسري جائزة في العلوم الاقتصادية. وتعتبر جائزة نوبل واحدة من أفضل الجوائز العلمية على المستوى العالمي لما تقدمه من دعم للعاملين على تطوير العلوم. حيث يمنح الفائز مبلغ يقارب المليون دولار.

وفي إحصاء بسيط منذ عام 1901 ولغاية 2023 بلغ عدد الحائزين على جائزة نوبل 621 شخص موزعين على النحو التالي: الفيزياء 117 شخصاً، الكيمياء 115 شخصاً، الطب 114 شخصاً، الأدب 116 شخصاً، السلام 104 أشخاص، علوم الاقتصاد 55 شخصاً.

هنا لنذهب إلى العرب الحائزين على جائزة نوبل. في الأدب هناك أديب عربي واحد فقط حاز سنة 1988 على جائزة نوبل وهو نجيب محفوظ (مصر)، وفي الكيمياء أيضاً عربي واحد فاز بها سنة 1999 وهو أحمد زويل (مصر). طبعاً من هم من أصول عربية وقاموا بكل دراساتهم وأبحاثهم في الخارج ويقيمون في الخارج ليسوا ضمن التعداد. أي بالمختصر هناك عربيان فقط، مقيمان في أوطانهم، نالوا جائزة نوبل في العلوم من أصل 517 حازوا عليها. وقد استثنينا هنا جائزة السلام. وهذه نسبة ضئيلة جداً 2 من أصل 517 شخص. إلى حد يمكن أن يسقطوا سهواً!

أما بالنسبة للسلام، فهنا العرب يحتلون مرتبة أعلى. فقد حاز عليها أنور السادات عام 1978 لتوقيعه اتفاقية (سلام) مع الكيان الغاصب لأرض فلسطين وشعبها، وحاز عليها مناصفة كل من ياسر عرفات وبيغن عام 1994 على القاعدة نفسها، ومحمد البرادعي مناصفة مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية عام 2005 لمساهمته مع الوكالة في احتواء انتشار الأسلحة النووية. وحازت عليها توكل كرمان (اليمن) في عام 2011 مناصفة مع نساء أخريات، وكذلك حاز عليها الرباعي الراعي للحوار الوطني التونسي في عام 2015.

أي مجموع الحائزين على جائزة نوبل للسلام يبلغ 5 أشخاص (أو مجموعات) من أصل 104. وهي نسبة أيضاً ضئيلة جداً. لكن الأمر المستهجن بالنسبة لجائزة السلام أن الموقعين (وهذا خيانة لا سلام) مع الكيان الغاصب على معاهدات الخنوع حصلوا على جوائز للسلام. وقد تكون هنا أهمية الأمر الأكثر فضحاً للكيان الغاصب، فرغم خيانة هؤلاء (الزعماء) العرب لقضيتهم الوطنية لم يقم الكيان السلام بل على العكس تماماً. والأمر الآخر من نال من العرب جائزة السلام، في معظمها خنوع واستسلام لا سلام، يبلغ أكثر من ضعف عدد من نالوها في مجالات العلوم!

من هنا يمكن استشفاف مدى هيمنة السياسي على العلمي في العالم العربي. امر أدى إلى مقاطعة علمية لجائزة نوبل في العلوم واحتكار (الزعماء) لجوائز السلام المذلة. عندما تصبح الأمور معكوسة، إضافة إلى أمور أخرى، حينئذٍ يمكن الابتداء بالحديث عن تحرير فلسطين.

العدد 1107 - 22/5/2024