للإنسانية وحدها ننحني

إيناس ونوس:

سألتني ابنتي ذات مساءٍ عن معنى (إغاثة الملهوف)، وكانت قد قرأتها في إحدى قصصها المصوَّرة، راغبةً في توضيح معنى كلِّ كلمةٍ على حدة، تلعثمتُ بدايةً، فكيف يمكنني أن أعطيها المعنى المتناسب مع وعيها وإدراكها، لذا.. طلبت منها بضع دقائق لأتمكَّن من توصيل الفكرة.

استذكرتُ بعض الأمثلة التي عشناها في منزلنا والتي تصبُّ في المعنى ذاته، وأخذتُ أذكّرها لها:

_ حينما طلب منِّي أحد الأقارب استقباله في بيتنا بضعة أيَّامٍ ريثما يحين موعد سفره رغم صعوبة وضعنا المعيشي، فما كان منِّي إلَّا أن استقبلته غير راضيةٍ أن أتركه حائراً لا يعرف ماذا يفعل ولا أين يذهب، علماً أني لست القريبة الوحيدة له في المنطقة، لكنَّه لجأ لي.

_ حينما اتصلت بي صديقتي ملهوفةً ترغب بأن تترك ابنتها _ صديقة ابنتي _ مدَّةً من الزَّمن ريثما تنهي عملها دون أن ينشغل بالها عليها أو أن تضطرَّ مجبرةً على تركها وحيدةً في المنزل وهي صغيرةٌ لا يمكنها الاعتناء بنفسها.

_ حينما علَّمتها كيف تتقاسم الطَّعام الذي معها بينها وبين زملائها في المدرسة.

وبعد عدَّة أمثلةٍ من هذا النَّحو، استطاعت أن تفهم معنى التَّركيب كاملاً.

في اليوم التَّالي، رأينا في الشَّارع ثلَّةً من الشَّباب والشَّابات يرتدون بدلاتٍ عليها شعار منظَّمة الهلال الأحمر، يقومون بعملهم في منطقتنا، فانطلق وابل الأسئلة من فمها الصَّغير: من هؤلاء؟ ماذا يفعلون؟ وغيرها من الاستفسارات. هنا.. استعنت بأحدهم ليشرح لها أسباب وجودهم في منطقةٍ دون أخرى، وماهيَّة عملهم، وأنَّ هناك العديد من المنظَّمات الأخرى غيرهم تعمل على مساحة الكرة الأرضية في إغاثة المهجَّرين والمحتاجين، إضافةً إلى العمل في المجال الصِّحيِّ أو التَّعليميِّ …إلخ.

لم يستوعب عقلها البريء حجم الحاجة لعمل تلك المنظَّمات، ولضرورة وجودها على مرِّ الأيام وتحديداً في زمن الحروب والكوارث، غير أنَّها استوعبت أنَّ لها الفضل في بقاء العديد من النَّاس على قيد الحياة بعد أن وصلوا حدَّ الموت، وأنَّ الحياة الإنسانية لا يمكن لها الاستمرار دون الشُّعور بالآخر ومحاولة مدّ اليد لمساندته ودعمه والعمل على تقديم أبسط الحلول للخروج من أيَّة أزمةٍ يمكن أن تعترضنا، وقد أوضحت لها أنَّه ونتيجةً لأهمية هذا النَّوع من العمل الإنساني تمَّ تحديد يومٍ في العام للاحتفاء بجهود كلِّ العاملين في هذا المضمار ممَّن دفعوا حياتهم ثمناً له، إضافةً إلى من لا يزالون يقاومون على خطِّ النَّار الأوَّل في شتَّى المجالات، فما كان منها إلَّا أن صاحت:

_ سأصبح واحدةً منهم في المستقبل!

العدد 1104 - 24/4/2024