تربية أم رعاية ما تؤديه أسرنا اليوم؟

ريم داوود:

تُعدُّ التربية أداة التغيير في المجتمع، فهي تعمل على صقل قيمه ومعتقداته، مثلما تعمل على تهذيب موروثاته على مدى العصور، كما أنها تزيل جميع العوائق التي تحول بين الإنسان واستعماله لإمكاناته وقدراته، إضافة إلى أنها تعمل على توجيه الصفات السلبية التي طبع عليها ليستثمرها في صورتها الصحيحة موظفاً إياها في خدمة ذاته والمجتمع بهدف ارتقاء الانسانية.

 

  • ما الفرق بين التربية والرعاية؟

إنه لمن المفيد بل من الضروري أن نقرع باب المقارنة بين هذين المفهومين لإجلاء اللبس والخلط الحاصل بينهما، فقد يظن معظم الآباء أنهم بتوفير الطعام والشراب والكساء والمال قد (ربّوا) أبناءهم حق التربية وهنا يقعون في الخطأ الكبير! فالتربية تختلف كل الاختلاف عن الرعاية، ذلك أن أي شخص يستطيع أن يقوم برعاية أي طفل، لكن التربية مسؤولية تقتصر على الأبوين حصراً، وتتجلّى تلك التربية بتحقيق عوامل أساسية كبناء القناعات، تنمية المهارات وفهم القيم، والمؤسف هنا أن معظم أسرنا العربية إنما تقوم بالرعاية لا أكثر، فالتربية مهمة عظيمة لغرس القيم والفضائل، كما أنها ضرورة حتمية في تعديل السلوك الإنساني، وعليه لابدَّ أن نطرح بعض جوانب التربية التي تتفرّع إلى:

١-تربية أخلاقية: وهي مجموعة القيم الموجهة لسلوك الطفل بغية تحقيق أهدافه في الحياة كما أنها المبادئ والفضائل السلوكية والوجدانية التي يجب أن يمتلكها الانسان ضمن مسيرة حياته، وتُعدُّ التربية الأخلاقية قوة موجهة لسلوك الإنسان، فمتى اكتسبها تأصّلت في نفسه وتجذّرت لتصبح هدفاً ومعياراً تُقاس بها أعماله.

٢-التربية الدينية: يساعد التوجّه السليم في هذا الجانب الطفل على تكوين مفاهيمه تكويناً واضحاً ومنتظماً، وهنا لابد من توجيه الطفل نحو الحب الخالص النابع من محبة الله. إن التوجّه المعتدل بتربية الطفل تربية سليمة يتيح له الفرصة للنمو دون قيود أو كوابح تمنع تطوره النفسي، مؤكّدين قبول الآخر مهما كان انتماؤه أو دينه، مركزين على أهمية اتباع الخير ودحض الشر دون تحميل الطفل ما لا طاقة له على استيعابه.

٣-التربية النفسية الاجتماعية: ومن خلالها يتمُّ تزويد الطفل بمهارات التواصل الاجتماعي الفعّال من خلال تأمين حاجات الطفل الأساسية كالحاجات البيولوجية، الحاجة للأمان، الحاجات الاجتماعية، الحاجة لتقدير وتحقيق الذات، وهنا تظهر أهمية هذا المرحلة في حياة أي إنسان حيث تُبنى من خلالها شخصية الفرد بشكل يكون فيه فاعلاً متفاعلاً مطوراً ومتطور ضمن مجتمعه، أضف إلى ذلك التربية البدنية، والتربية الصحية، والتربية السياسية، فكلّها جوانب من المهم أن يولي الآباء عنايتهم لها أثناء العمل على تربية طفلهم ليصلوا به في النهاية إلى شخصية سوية متكاملة، فهل يؤدي الآباء جزءاً من أساسيات هذه التربية، أم أنهم يلجؤون لخلق نسخ عنهم متأثرين بانتماءاتهم الفكرية، الدينية، السياسية أو حتى العقائدية ناسين أن جودة الخيارات من جودة المعتقدات، فخياراتنا تتبع الطريقة التي ننظر بها إلى الحياة من خلال نظام معتقداتنا، وكلّما كانت هذه المعتقدات جيدة أدّت بالضرورة إلى خيارات جيدة، لنكون بهذه الخيارات قد حصلنا على حياة أفضل. فلندع لأبنائنا حرية الاختيار بعيداً عن زجّهم في بوتقة معتقداتنا، مُشرّعين أمامهم أبواب الحياة، مُحصنين إياهم بأشكال التربية الفُضلى التي تفتح لهم آفاق الدنيا، فإن كُنّا لا نرى إلاّ ما نُسلّط الضوء عليه، فنحن لا نزال عمياناً، لأننا لو كُنّا نبصر حقاً لرأينا ما يختفي في الظلمة.

 

العدد 1105 - 01/5/2024