من المهد إلى اللحد

أحمد ديركي:

يمكن تقسيم حياة الإنسان اقتصادياً، حالياً في ظل نمط الإنتاج الرأسمالي، إلى ثلاث مراحل أساسية.

المرحلة الأولى: مرحلة استهلاك. تبدأ منذ لحظة ولادته ولغاية دخوله سوق العمل. لا يمكن تحديد عمر الدخول إلى سوق العمل، وإن حدِّد العمر عالمياً وقانونياً بسن الـ18 سنة. ويعود عدم المقدرة على تطبيق السن القانوني لدخول سوق العمل إلى الواقع الاقتصادي الذي يعيشه عامة الشعب في هذه الدولة أو تلك.

المرحلة الثانية: مرحلة الإنتاج. مرحلة الدخول إلى سوق العمل والبدء بالعمل وإنتاج فائض القيمة لصاحب العمل ودفع الضرائب للدولة، ومن المفترض أن تنفق الدولة على مستلزماتها من هذه الضرائب، إضافة إلى تقديم الخدمات لدافع الضرائب.

المرحلة الثالثة: مرحلة الاستهلاك. وهي مرحلة تعود إلى خروج العامل من سوق العمل بسب كبر سنه. ففي هذه المرحلة (التقاعدية) يسترجع العامل جزءاً يسيراً من فائض القيمة الذي أنتجه خلال سنوات عمله لصاحب العمل، إضافة إلى جزء يسير من الضرائب التي دفعها للدولة.

ففي مرحلة الاستهلاك الثانية، أي بعد تقاعده عن العمل، يكون الإنسان كالطفل لا مقدرة لديه على الإنتاج لأسباب متعددة ومن أبرزها كبر سنه. كي لا يكون عالةً على أي معيل، ولا يطلب حسنة أو صدقة من أي (متمول) فمن حقّه على الدولة أن تقدم له الحد الأدنى من مستلزمات العيش الكريم، على كل الصعد. فهذا حق العامل على الدولة، وصاحب العمل، التي أمّن لها كل مستلزماتها طوال فترة حياته الإنتاجية. لكن للأسف هذا لا يحدث.

الدولة، مثلها مثل صاحب العمل، تتقاضى كل ما تحتاجه من العامل خلال مرحلته الإنتاجية. فالعامل مجبر على دفع الضرائب الملاصقة له طوال عمره الإنتاجي، وإن لم يدفع الضرائب فالعقوبات جاهزة لتطبق بحقه. وما أكثر هذه العقوبات بحق العامل وما أقلّها بحق صاحب العمل!

يصل العامل إلى سن التقاعد فيجد نفسه مجبراً على استكمال حياته الإنتاجية كي لا يموت جوعاً أو على أبواب المستشفيات وما من طبيب يستقبله، أو ينتظر شفقة أو حسنة او عطف من أحد المتمولين، أو يكون عالة على عائلته… فيحاول أن يدخل سوق العمل من جديد رغم كبر سنه! وبهذا يكون صاحب العمل والدولة قد سرقا كل أموال العامل بطريقة غير مباشرة لإجباره على العمل والاستمرار بدفع الضرائب حتى لحظة وفاته.

بسبب هذه السرقة الممنهجة، على الإنسان أن يعمل منذ اللحظة التي يقدر فيها على الدخول إلى سوق العمل حتى لحظة وفاته، وطوال هذه الفترة وهو يُسرق ولا يحقّ له المطالبة بحقوقه وأمواله المنهوبة، على شكل ضرائب. وإن طالب بها يدان ويحاكم ويسجن، ويبقى السؤال: أين تذهب ضرائب العامل؟ من المستفيد منها؟!

العدد 1104 - 24/4/2024