من أجل نهوض صناعي سريع وفعّال

فؤاد اللحـام:

تزداد الصعوبات والتحديات التي يواجهها الاقتصاد السوري عموماً والصناعة السورية بشكل خاص يوماً بعد يوم. فإضافة إلى آثار الحرب في سورية وعليها والمقاطعة والحصار، جاءت منعكسات جائحة كورونا ومن بعدها الحرب الروسية الأوكرانية، فزادت من حدة هذه الصعوبات والتحديات، دون نسيان أن الصناعة السورية كانت تعاني قبل الأزمة العديد من المشاكل والصعوبات، في مقدمتها آثار التسرع في الانفتاح وتحرير التبادل التجاري دون أن يسبق ذلك أو يترافق معه عملية إعادة تأهيل وتطوير تمكِّن هذه الصناعة من الاستفادة من إيجابيات هذه الإجراءات وتجاوز عدد من آثارها السلبية.

المهمة الصعبة والمعقدة، التي تواجهها الصناعة السورية اليوم، لا تنحصر فقط بإعادة التأهيل والتشغيل والعودة إلى ما كانت عليه قبل الأزمة، واستدراك ما فاتها من فرص النمو التي كان من الممكن تحقيقها خلال السنوات الماضية لولا حدوث الأزمة، وإنما أيضاً الانتقال بهذه الصناعة إلى مرحلة جديدة من النهوض والتطوير المستمرين بما ينسجم مع الثورة الصناعية الرابعة. وهذه مهمة أساسية وضرورية لا يجوز تأجيلها أو تجاوزها، وتتطلب وجود برنامج شامل للتحديث والتطوير الصناعي تتكامل فيه أدوار كل الجهات على المستوى الكلي (السياسات الحكومية)، والمستوى المتوسط (المؤسسات الداعمة التدريبية والاستشارية وغيرها.. العامة والخاصة)، والمستوى الجزئي (المنشآت الصناعية الخاصة والعامة).

هذه المهام هي بالتأكيد أكبر من القدرات والإمكانيات المالية والتنظيمية والفنية المنفردة للجهات الحكومية والخاصة سواء غرف الصناعة والتجارة أو الاتحادات الأخرى، وبالتالي لابد من فرق عمل قطاعية متخصصة من هذه الجهات ومجموعة من الخبراء المختصين لوضع الخطط والبرامج وتحديد الأولويات حسب الإمكانيات والضرورة والأهمية، للبحث عن مصادر لتمويلها وتنفيذها ضمن برنامج متكامل لإعادة الاعمار، على أن تنجز وتناقش نتائج عمل هذه الفرق في أقرب وقت ممكن في مؤتمر عام أو في ورشات عمل متخصصة يشارك فيها، إلى جانب هذه الجهات، الصناعيون والخبراء وجهات التمويل والمؤسسات الداعمة القائمة المختصة بالتدريب والتأهيل والمواصفات والاختبارات والجودة وجمعية العلوم الاقتصادية السورية والجمعيات الأهلية الأخرى ذات العلاقة.

وفي عملية الدراسة والمناقشة من قبل هذه الفرق وغيرها، من الضروري والمفيد الرجوع إلى الدروس المستفادة من تجارب الدول الأخرى التي مرت بظروف مشابهة ولو قليلاً لظروفنا الحالية، وكذلك الرجوع إلى المحاولات العديدة التي سبق أن بذلت في مجال التحديث والتطوير الصناعي قبل الأزمة وأثناءها. فهناك جهود محلية وإقليمية ودولية بذلت خلال السنوات السابقة من أجل تحديث وتطوير الصناعة السورية، بعضها نجح وبعضها الآخر تعثر وبعضها أهمل أو تم وأده لأسباب غير موضوعية وبذرائع واهية تؤكد جميعها الحاجة الماسة إلى تنفيذ هذه البرامج التي كان يتضمن بعضها رفع قدرات العاملين في الجهات العامة والخاصة المعنية حتى يتم إتقان التعامل في مجالات التعاون الفني مع الجهات الداعمة والمانحة بفعالية وبشكل يبين لهذه الجهات كفاءة وقدرة الجهات الوطنية المستفيدة في اقتراح برامج التعاون الفني معها واختيارها وتنفيذها ومتابعتها، وفي الوقت ذاته المساهمة في تعظيم الاستفادة من هذه البرامج ووضع حد للازدواجية والتعارض فيما بينها وضعف المتابعة والتنسيق بين الجهات المعنية في هذا المجال. لذلك فإنه في عملية البحث عما يجب القيام به في هذه المرحلة والمراحل اللاحقة من المفيد نفض الغبار عن الدراسات التي تمت ومراجعتها وتحديث ما يجب منها لتكون أداة بين أيدي كل من يرغب جدياً في تطوير الصناعة السورية وتمكينها من الخروج من أزمتها بكفاءة ومهارة السوريين صناعيين وعمال وفنيين واستشاريين.

الجميع في سورية الجريحة اليوم يدرك أن وضعها الاستثنائي ومنها الصناعة يحتاج إلى قيادات وإجراءات استثنائية، وهذه لا يمكن الوصول إليها من خلال رؤية أحادية من زاوية ضيقة، بل من خلال رؤية عريضة قوامها الأساسي فرق العمل المتخصصة المؤهلة وذات الصلاحيات.

العدد 1104 - 24/4/2024