آباء أجلّاء

ريم داوود:

إذا الشُّكرُ قال: إلى مَن سأُهدَى؟ أقولُ افتخاراً: لمَن رَبَّياني! وكيف سأشكرُ فضلَ اصطبار عليَّ وحبّ سَناه احتَواني وفضلَ وفاء، وفضلَ إباء سَرى في عروقي فعزَّ كياني وفضلَ مجافاة نوم لأجلي إذا ما اشتكَيتُ ونَومي جفاني وفضلَ ابتسام، وفضل اهتمام لكي أترقَّى رفيعَ المَكان وفضلَ التدرُّج نحو الفضيلة حتَّى أكونَ وحيدَ زَماني وفضلَ انقياد لأَسمى سلوك أراه أمامي كما النَّيّران وفضلَ انسجام مقال وفعل لكيلا أُفاجَأ عندَ امتحان ومهما عدَدتُ الفَضائلَ حاشا أحيطُ بفضل عَناء احتضان.

يُحيي العالم في الـ٢١ من حزيران من كل عام احتفالاً عالمياً للأب تكريماً وتقديراً له على الجهد المبذول والعطاء اللامحدود الذي يقدّمه الآباء لأسرهم. وتعود فكرة هذا اليوم إلى سيدة تدعى سونورا لويس سمارت دود، من ولاية ميتشغان في أميركا، ذلك أنها أرادت أن تقيم تكريماً يليق بوالدها الذي عمل على تربية أطفاله الستة بمفرده بعد أن توفيت زوجته.

يظنُّ الغالبية منّا أن الأم هي المسؤولة الوحيدة والأولى عن تدبير أمور الأسرة وتنظيم حياتها، لكن الحقيقة تكمن في خلاف ذلك تماماً، فأمور الأسرة تحتاج وجوداً مزدوجاً من كلا الطرفين (الأب والأم) وممّا لاشكّ فيه هو أن استقرار الأسرة وتناغمها يعود لتوافق وانسجام دور الأم ودور الأب داخل هذه المؤسسة الاجتماعية.

  • ماذا يحصل عندما يتجاهل الأب أطفاله في التعبير لهم عن مشاعره؟ يوجد معظم الآباء داخل أُسرهم بشكل جسدي مع وقف نشاطهم النفسي والاجتماعي تجاه أطفالهم، ما يؤثّر بشكل مشوّه في عملية التربية، كما يلعب دوراً سلبياً في طبيعة العلاقة بينهما ممّا يدفعنا فعلياً لطرح سؤال عميق فحواه: هل يستطيع الآباء إظهار حبهم لأطفالهم كما يجب؟ أم أن دورهم محصور في السلطة الأبوية المرافقة للترهيب واتخاذ القرار؟ وعلى الرغم من حتمية المشاعر التي يُكنّها الآباء لأطفالهم والتي تتسم بالحب والخوف والحرص عليهم، إلّا أن هناك تقصيراً لديهم في التعبير عن هذه المشاعر ما يدفع بالعلاقة نحو البرود والجفاف. فقد بيّنت الدراسات النفسية أن الأطفال الذين يمتلكون آباء غائبين مُغيبين عن التفاعل النشط في حياتهم يعانون انخفاضاً واضحاً في التطلّعات، كما يعانون من انخفاض تقدير الذات الذي يؤثّر في مجرى حياتهم النفسي والاجتماعي والمهني، في حين يتسم أطفال الآباء المنخرطين بالنشاط والكفاءة المعرفية المتزايدة، وقد بيّنت الدراسات أن أطفال هؤلاء الآباء يمتلكون نمواً صحيّاً سويّاً، كما أنهم يمتلكون قدرات لغوية معرفية كبيرة، ولديهم معدّل ذكاء ووعي أعلى من غيرهم. وقد لاحظ الباحثون أن أطفال هؤلاء الآباء مهيّؤون بشكل أكبر للتعلّم، كما يمتلكون قدرة عالية على التواصل ممزوجة بثقة وتقدير كبير للذات.
  • كيف أمارس دوري كأب؟ إن التقدم الكبير في مجال علم الاجتماع وعلم نفس الأبوّة في الدول المتحضّرة لم يأتِ عن عبث بل حصل نتيجة إلمام وإدراك لحقيقة المشكلات المتعلّقة بالأبوّة، وعليه تمّ التوصل إلى أنه لابدّ للطفل أن يمتلك أبوين، وليس فقط امتلاك الأبوين هو الهدف بل يجب أن يكون هذين الأبوين حسني الطباع والثقافة، ولكي يمارس الأب دوره بنجاح لابدّ له من التّحلّي ببعض الصفات الإيجابية كالعدل: فالعدل مطلب ومبتغى في تربية الأطفال لأنه يسمو بهم نحو الاتزان والاستقامة. الأخلاق: على الأب التّحلّي بالخلق السليم قولاً وفعلاً وإلّا كيف سيكون قدوة يُحتذى بها. الحكمة: بمعنى أن يلجأ الأب إلى تحكيم عقله وضبط انفعالاته، فالأب الناجح يعمل جاهداً على تطبيق استراتيجية السعادة المنزلية التي تتجلّى في مدّ جسور العلاقة وتوطيدها ضمن الأسرة، كما أنه يسعى إلى توكيد أهمية وجود أبنائه وأنهم خلقوا لهدف معيّن ورسالة سامية ممّا يوّلد لديهم الدافعية والرغبة في العمل والمثابرة. لذا من حق كل طفل أن يمتلك أباً نشطاً فاعلاً منخرطاً في حياة طفله النفسية والاجتماعية. فلنسعَ لنكون آباء فاعلين مؤثّرين في نفوسهم لنكون لهم خير قدوة وخير مثال ليكونوا هم أيضاً آباء المستقبل مؤدّين دورهم بحرص وإتقان.
العدد 1105 - 01/5/2024