نواة الأسرة وحجر أساسها

وعد حسون نصر:

الأب هو السند الذي تستند عليه الأسرة لتنهض، لتقف متماسكة لا تخشى السقوط. ربما يعتقد كثيرون أن الأب له دور ثانوي أمام دور الأم، على اعتبار أن الأم تبقى غالباً بشكل دائم مع أطفالها، لذلك يظنُّ هؤلاء الأطفال أنها الأكثر عطاءً، فهي مرافقة لهم بكل مراحل حياتهم منذ الولادة للكبر خطوة بخطوة. لكن على الرغم من دور الأم المهم والأساسي في حياة أطفالها، إلا أن دور الأب لا يقلُّ أهمية عنّها، إذ تقع عليه مهام كثيرة جداً من توفير مقومات واحتياجات هذه الأسرة للتربية، وتأمين مستقبل أبنائه، واستمرار حضوره حتى بعد تزويجهم واستقرارهم مع أسرهم وأطفالهم. فإذا كانت الزوجة/ الأم غير عاملة، هنا تقع على الأب أعباء المصروف التي تكون كبيرة جداً، لأنه المصدر الوحيد للدخل، ممّا يُضاعف مسؤوليته لتأمين مصاريف الطعام والشراب، والمسكن، إذا كان مأجوراً، واللباس، وحتى مصاريف الدراسة. ويزداد العبء إذا كان لدى الأسرة أبناء في مراحل دراسية مختلفة من الابتدائي للإعدادي للجامعة، وحتى عبء توعية الأبناء، وإن كان عدم وجوده بينهم سبباً لتقليل أهمية دوره في الأسرة، فهذا الغياب هو لتأمين حاجاتهم وعدم شعورهم بالعوز والحاجة. فالكثير من الأبناء يظنُّون أن هذا الأب قاسٍ وغير مبالي، هذه اللّامبالاة يا بني أتت لتكون مرتاحاً لا تشعر بالنقص سواء من طعام ولباس وقرطاسية وغيرها من الأشياء، وعدم وجود والدك بشكل جيد بالمنزل وقساوة طبعه، لتكون أنت مستقراً بحياتك وسعيداً لتوفّر حاجياتك، هذه العقدة بين حاجبيه ليرسم لك ابتسامة على فمك، هذه الثياب القديمة ليلبسك أجمل الثياب، نعم، الأم موجودة طوال الوقت مع أسرتها، لكن الأب هو حجر الأساس لتماسك هذه الاسرة بالرغم من غيابه، وبالتالي لا يمكن أن نضع الآباء بكفّة واحدة، فهناك آباء وجودهم بحياة أبنائهم مجرّد لفظ لا أكثر ولا أقلّ، هم فقط بالهوية يحملون صفة أب لأولئك الأبناء، ليكون للأم حقاً الدور الأكبر عند هذه الأسر، فهي الأب والأم معاً تعمل داخل وخارج المنزل لتأمين حياة كريمة لأبنائها، وهنا وجب سقوط صفة الأب عن هذا المستهتر، وبالمقابل هناك الكثير الكثير من الآباء كانوا أماً وأباً لأبنائهم، ربما توفيت الأم وهم في فترة الحضانة ورفض الأب أن يتزوج ليكون هو الأب والأم معاً، أو ربما كانت هذه الأم عديمة المسؤولية وقرّر الأب البقاء معها رغم استهتارها وأخذ دورها بالأسرة، إضافة إلى دوره كي لا يُشتّت أسرته بقرار الطلاق. على الرغم من اعتقاد الكثيرين منّا أن دور الأب في حياتنا بالنسبة لعطاءات الأم دورٌ بسيط وثانوي، إلّا أن هذه الفكرة الخاطئة لا يمكن تجاهلها حتى يصبح الأبناء آباء ويأخذون دور آبائهم مع أبنائهم.

ويبقى الأب في الأسرة عمادها ومهمة مضاعفة في التربية وخاصة مع الذكور تفرض عليه اللين والقسوة والمواقف الحازمة معاً لاسيما حين تغلب الأم عاطفتها التي تجعلها تغضُّ النظر عن بعض السلوكيات السلبية للأبناء. إضافة إلى أعباء المصروف وخاصةً في مجتمعنا الشرقي الذي يفرضها تحديداً على الرجل، وبالتالي لا يمكن أن تقوم الأسرة إلّا بالأب والأم معاً، وإن شاء القدر أن يغيب أحدهم وجب وجود الأخر ليكون الربّان لسفينة الأسرة والتي عليه أن يوصلها إلى شاطئ الأمان أمام تلاطم أمواج القهر في الحياة، فكما أن دور الأم أساسي في حياة أبنائها لتكون لهم خيمة وسقفاً، وحضناً دافئاً، ومرشداً لطريق الصواب ونوراً لظلمة الأيام، أيضاً دور الأب لا يقلُّ أهمية عنها، فهو السند وهو القدوة وخاصة لأبنائه الذكور من خلال تصرفاته، كذلك هو المعيل، وإن كان غائباً يجب أن تُحفَظ مكانته، لأن مبرر غيابه هو استمرار بقاء أسرته وتقدّمها، وتأمين حاجياتها، فإن كان الأب يدُ الأسرة اليمنى، تكون الأم يدها اليسرى، كلاهما معاً يغرسان الحب بالعائلة، وإن غاب أحدهما فعلى الآخر أن يكون كلتا اليدين معاً حتى لا يجفَّ الغرس وييبس.

العدد 1105 - 01/5/2024