لسنا أبطال برامجكم!

إيناس ونوس:

عُرف المجتمع السُّوري بأنه من المجتمعات المتكاتفة، فأساس العلاقات بين مكوِّناته يقوم على التَّعاطف والمحبة، ومدّ يد العون للغير، لاسيما حين تفتك الأهوال بالأحوال.

معظم السوريين يعانون من الأوضاع الاقتصادية والمعيشية الرَّاهنة التي لم يسبق لنا أن عشنا مثلها، وكلُّ محاولاتنا لمجرَّد الوقوف مُجدّداً أشبه بمقاومة الموت البطيء، فقد بتنا جميعاً دون استثناء _ إلّا من كانوا مسؤولين عن تدهور أوضاع القاع المجتمعي _ بأمسِّ الحاجة إلى الدَّعم والمساندة كي نتمكَّن من مواصلة الجهد اليومي الشَّاق، وفي محاولاتٍ بسيطة برغم قيمتها للحدِّ من هذا التقهقر، فقد كثرت الجمعيات والمبادرات والجهود المجتمعية غير الحكومية لتقديم الدَّعم للأسر والأشخاص، بالأخص من يُعتبر وضعهم المادي مزرياً أكثر من غيرهم وما من معيل أو مسؤول، بعضها يعمل علانيةً بينما البعض الآخر يعمل بالخفاء احتراماً لمشاعر من تساندهم وانطلاقاً من مبدأ أنَّ فعل الخير لا يتطلَّب النَّشر والإذاعة.

وقد فوجئنا مؤخَّراً ببثِّ برنامج (الناس لبعضا) على مواقع التواصل الاجتماعي، الذي يعرض تقديم مبالغ مالية لبعض الأسر التي يجري اللقاء معها وتسليط الضَّوء على حالتها المعيشية كشكلٍ من أشكال الدعم المادي، وبين مؤيدٍ لهذا النوع من البرامج ولهذه الآلية في التعامل مع المشكلات الاجتماعية، ومعارض لها وللغاية منها، بين موافقٍ على أن يكون بطل الحلقة ورافضٍ للظُّهور ولما يقدَّم خلال البرنامج، يحتدم النِّقاش في الشارع السوري اليوم.

إن أردنا أن نكون حسني النية تجاه هذه المبادرات، يمكننا القول إن الخطوة جيدة، لكنها لا تتعدى ذرَّ الرَّماد في العيون، بينما إن أردنا أن نتمحَّص وندقّق في الأمور، فبكل وضوح يتجلّى أمامنا أن حل المشاكل الكبرى المجتمعية لا يمكن أن يكون بهذه الطرق، ومن هم أصحاب (الأيادي البيضاء) الممولين، وما هدفهم في وقت بات تعزيز مبدأ الأنا الفردية أكثر اتساعاً وانتشاراً من الأنا الجمعية، ثم ما الهدف من تصوير برامج من هذا النوع؟؟؟ سواء كان بغاية المساعدة، أم بغاية تسليط الضوء على القاع المعيشي، فمن وجهة نظر شخصية أقول إنني لم أجد متعة في هذا النوع من المساعدات ولا من الدعم ولا من التمثيل، بل أثار حفيظتي تساؤلات شتّى، ومنها أين الحكومة ومؤسساتها من كل هذا؟

أليست هي المخولة بأن تجد الحلول لمشكلات خطيرة بهذا الحجم هي المسؤولة عنها؟

أم أنها مسؤولة فقط عن تذكير المواطنين بواجباتهم وبما لها من حقوق لا غير؟ غير آبهةٍ بما عليها من واجبات ومسؤوليات!!!

لم يعد الناس قادرين على تحمل الوضع أكثر، لذا فهم غير قادرين على تحمل تبعاته أيضاً، وليسوا مجبرين على أن يكونوا أبطالاً في برامج من شأنها تبييض صفحات البعض على حساب مشاعرهم ونفسياتهم المرهقة.

فمن الأولى أن يُعمل بالمثل القائل: بدل أن تطعمني سمكة، علِّمني الصيد!

العدد 1104 - 24/4/2024