الطلاق حلاً وحيلولة لمعاناة عائلة كاملة تعيش في ظلّ العنف والقهر

ريم داود:

ونقبتُ عِرْسي بالطلاقِ مصححاً… وكانت حصاةً بين رجلي وأخمصي. (لذلك يترك الرجل أباه وأمه ويلزم امرأته فيصيران جسداً واحداً(

يتساءل معظم الرجال، ما الذي يدفع بفتاة جميلة قضت حياتها ضمن مجتمع يختلف عن مجتمعهم بالعادات والتقاليد وربما الأفكار والآراء، ما الذي يدفعها لترك ذويها ومغادرة مكانها منتقلة للاستقرار ضمن عائلة جديدة ومع رجل غريب ينتمي لكل ما يختلف عنها؟ ما الذي يمنح الأمان والاستقرار والسلام لتلك الفتاة كي تخلد للنوم بجوار رجل بعيد عنها كل البعد ليصبح أقرب الناس إليها، مقدمة له كل الحب والاحترام، جاهدة للعمل على تأمين احتياجاته ومتطلباته؟ أسئلة عديدة تدور في فلك بناء الأسرة واستقرارها والذي بالضرورة يقود لبناء المجتمع واستقراره، فالزواج هو عقد رسمي بين شخصين راشدين يسعيان لبناء أسرة أو مؤسّسة اجتماعية، وقد تتعرّض هذه المؤسسة لمشكلات عديدة تصل في نهاية المطاف إلى أسوأ الحلول وهي الطلاق.

*الطلاق من وجهة نظر الدين: يعتبر الطلاق الحل النهائي لفسخ العلاقة بين الزوجين بعد استحالة استمرارها، فقد رفضت الأديان وناهضت هذه الممارسات معارضة اللجوء للطلاق إلاّ بالحالات القصوى باعتبار أن للحياة الزوجية قدسيتها وخصوصيتها. فنجدها في الدين المسيحي لا تجوز إلاّ في حالات الزنى (الحق أقول لكم: من طلق امرأته لغير الزنى فقد جعلها تزني، ومن تزوج بمطلقة فقد زنى هو أيضاً.)

*الطلاق من وجهة نظر علم النفس وعلم الاجتماع: يعتبر الطلاق بين الزوجين كالحرب الباردة يبدأ سعيرها مع بداية الخلافات لتنتهي بانفصال العلاقة بينهما مستخدماً كل منهما الأطفال سلاحاً فتّاكاً قاتلاً لينفّذ من خلاله انتقامه ومبتغاه. وفي هذا الصدد يؤكّد خبراء ومختصون اجتماعيون ونفسيون أن لهذه المرحلة آثارها السلبية والتي تظهر جليّة لدى الأطفال من خلال انخفاض ثقتهم بنفسهم وبمن حولهم، الشيء الذي يؤثّر على تكوين مفهوم الذات لديهم ممّا يؤدي إلى خلل في نمو الشخصية، فضلاً عن مشاعر الخوف والقلق وسوء التوافق النفسي والاجتماعي ما يدفع بهم نحو العزلة والابتعاد عن الناس لتصل لدى البعض منهم إلى سلوكيات سلبية وغير سوية. واللّافت في الأمر أنه وفي كثير من الحالات نجد الطلاق حلاً وحيلولة لمعاناة عائلة كاملة تعيش في ظلّ العنف والقهر والعدوان وسط تحفّظ من الجهات الدينية والمجتمع عن مثل هذه الحالات محاولين منع حدوث الطلاق بحجّة الحفاظ على ترابط الأسرة وصحة الأطفال الاجتماعية والنفسية، ناسين متناسين أن حياة عائلة كاملة مقيّدة بمزاجية وأفكار رجل يعاني اللّااستقرار في حياته ممّا يُسبّب للأبناء مشاكل نفسية جمّة تتجلّى آثارها في الخوف والرعب والرهاب، وقد يميلون للانحراف، والعدوانية، والعنف، كما نجد منهم من يعانون اضطرابات تقود بهم للعزوف عن الارتباط كليّاً، فضلاً عن التأخّر في التحصيل الدراسي والمشاعر السلبية التي يُكنّها الأطفال لأهلهم. لذلك علينا أن نفكّر مليّاً قبل اتخاذ قرار الزواج أو إرغام أبنائنا عليه، فالحياة طويلة قصيرة علينا أن نتمتّع بكل تفاصيلها بعيداً عن النزاع والاقتتال فيما بيننا، وعلينا أن ندرك أن هذا القرار ينطوي على كمٍّ من المسؤولية والالتزام والتنازلات من كلا الطرفين كي نضمن استمراراً سليماً للعلاقات يزهر براعم سليمة.

العدد 1105 - 01/5/2024