بيان استنكاري

د. أحمد ديركي:

مضحك ما نسمعه في نشرات الأخبار الرسمية على إذاعات الدول العربية كلها، فهي تنقل الأخبار وفقاً لأهوائها وميولها ومصلحه حكامها.

وتطورت نشرات الأخبار الرسمية، وغير الرسمية الواقعة تحت سيطرة رأس المال المعارض، فصارت تنشر بيانات رسمية ليست مضحكة فقط بل مثيرة للشفقة من كثرة تفاهتها أيضاً.

فكل مستمع لنشرة أخبار رسمية اليوم، على أي إذاعة عربية، يضحك ويبكي في الوقت عينه. يضحك من سخرية ما يقال ويبكي على ما يجري.

وحالياً لا الضحك مفيد ولا البكاء مفيد، المفيد ربط القول بالعمل.

فلسطين يلتهمها الكيان الصهيوني كما تلتهم الحيوانات المفترسة فريستها، ينقض عليها كفريق واحد من كل الجهات ويبدأ بقضمها وعضّها حتى تلفظ أنفاسها الأخيرة. وبعد موتها تأتي القبيلة المفترسة لتتشارك الفريسة. فها هي ذي القوى (العظمى) أينما وجدت ومهما كانت تسمياتها وأسماء دولها تحمي الحيوانات الصهيونية المفترسة لفلسطين وشعبها. لم تأتِ كلمة (حيوانات مفترسة) من الفراغ، بل وفقاً للديانة الاسرائيلية كل من هو غير يهودي (حيوان) وللتأكد من هذه المقولة يمكن العودة إلى الكتب الدينية. لذا تقتل هذه (الحيوانات المفترسة) الفلسطينيين بلا رحمة، على اعتبار أنهم ليسوا بشراً.

الصهيونية حركة سياسية نابعة من أصول الديانة اليهودية، وعليكم السلام!

كل هذا يجري يومياً منذ وعد بلفور ويتطور مع الوقت إلى حد أصبح فيه قضم فلسطين من قبل الكيان الصهيوني مسألة طبيعية. والقضم يتضمن قتل كل من هو فلسطيني أو طرده بالقوة من أرض فلسطين. عملية تارة تكون بالخفاء وتارة تكون بالعلن، وعندما تظهر إلى العلن تستنفر الدول العربية وتشن حربها المضحكة على الكيان الصهيوني.

نعم، حالياً حرب مضحكة مبكية، فما شكل الحرب التي تشنها كل الدول العربية على الكيان الصهيوني؟

كل الدول العربية تابعة لإحدى القوى (العظمى) الحامية للكيان الصهيوني، ولا تخرج قيد عن أوامره. وبدأت عمليات (التطبيع) مع الكيان بداية مع أنور السادات. فكرّت سلسلة خيانة فلسطين منذ حينها فتبعتها معظم الدول العربية، وصولاً حالياً إلى (الإمارات العربية المتحدة)، و(المغرب) و(السودان)، ومن لم يخن بـ(التتبيع) ينظر دوره ليخون بـ(التطبيع). وهذا ما هو واضح جداً في نشرات أخبار، والبرامج السياسية، لمن ينتظر دوره بالخيانة. فقد ألغيت كلمة (الكيان الصهيوني) وحلّت محلّها كلمة (إسرائيل)!

الصهاينة يستبيحون قضم فلسطين وقتل الفلسطينيين والأنظمة العربية الخائنة (المطبعة) وغير (المطبعة) لا تجرؤ على أكثر من إصدار بيانات (استنكارية) (شديدة اللهجة)!

بيان يلحقه بيان ثم ينتهي إصدار البيانات وتعود الأمور إلى مجراها الطبيعي، بانتظار الدور (للتطبيع)، والكيان الصهيوني يستمر في أعماله الوحشية ما قبل صدور البيانات (الشديدة اللهجة) وخلالها وما بعدها!

فكل مستمع لنشرات الأخبار الرسمية للأنظمة العربية يضحك من كثرة البيانات (الشديدة اللهجة) ويبكي فلسطين ودم الشهداء الفلسطينيين الذين تسيل دماؤهم على أرض فلسطين وهم يواجهون (الحيوانات المفترسة) بالصدور العارية، لا يملكون وسيلة دفاع عن أنفسهم غيرها ومن الأرض يلتقطون الحجر. بينما الأنظمة العربية تتغنى بصفقات الأسلحة، من الطائرات وصولاً إلى الدبابات، من القوى (العظمى) الحامية لأمن الكيان الصهيوني، لتقمع بهذه الأسلحة شعوبها. في الوقت الذي ظن فيه المواطن العربي أنه دفع ثمن هذه الأسلحة لتحرير فلسطين، ولكن تبين وبشكل جلي جداً أنه دفع ثمن أسلحة لتقتله ولخيانة القضية الفلسطينية.

هنا لا الضحك على البيانات الرسمية الصادرة عن وزراء الخارجية في البلدان العربية، والمذاعة في نشرات الأخبار والبرامج السياسية، مفيد، ولا بكاء المواطن على ثمن الأسلحة التي دفع ثمنها من جيبه وهو لا يملك قوت عيشه ليقتله النظام الحاكم بها. المفيد أيها المواطن العربي أن تقول لا لكل خائن للقضية الفلسطينية وتربط (لا) بالعمل الفعلي لتحرير فلسطين، فالأنظمة الحاكمة مهمتها قول (لا) في بياناتها (الشديدة اللهجة)، وتعمل على تطبيق (نعم) لقضم فلسطين من قبل الكيان الصهيوني.

نعم، لن تتحرر فلسطين إلا بإرادة الشعوب الداعمة للقضية، ولن تتحرر إلا بعد تحرر الشعوب العربية من أنظمتها. وهنا أحد جواهر ربط التحرير بالتغيير.

العدد 1105 - 01/5/2024