بين الواقع والدراما.. أين نحن؟!

وعد حسون نصر:

هي موسم تُطلُّ علينا بأحداثها في شهر رمضان، تتجسّد في مسلسلات وحلقات ومشاهد متنوعة، ونحن نختار الأنسب والأقرب إلينا، وبين الضحك والجد، والعنف والسلم، والقوة واللين، ضاع المشاهد، حتى انتهت إلى التطرّف تارة والانحلال تارة أخرى، وبتنا نسأل هل يوجد حقاً في مجتمعنا تفاصيل كهذه؟!

لاحظنا هذا العام في الموسم الدرامي في رمضان عودة الدراما السورية على الشاشة وبقوة، إذ كنّا سابقاً نرى المسلسلات الممزوجة بجنسيات مختلفة تصور لنا مجتمعاً بعيداً كل البعد عن الواقع، فمن غير الطبيعي أن يكون بمسلسل واحد أخ من هنا وأخ من هناك وعلاقة حب خارج نطاق العرف بين الأخ وزوجة أخيه والأخ والأخت بالتبني، كما شاهدنا في مسلسل (الإخوة) البعيد كل البعد عن الواقع، لذلك ومع عودة الدراما المحلية على شاشتنا في موسمها الرمضاني هذا العام توقعنا أن نعود للواقع.

لا يمكن في الحقيقة أن ننكر أن الكثير من المسلسلات سلّطت الضوء على واقعنا المرير وخاصة الاستغلال الجسدي للمرأة، كذلك تجارة الأعضاء، والابتزاز، وحتى الملفات المخفية في مكاتب رجال السلطة، والسرقة، والقتل، والنصب وغيرها من مجريات على أرض الواقع، لكن هذه الأعمال رغم أهميتها لم تضع يدها على الحل، وكانت في بعض مشاهدها نوعاً ما بعيدة عن الحياء متجاهلة وجود أطفال وكبار، وحتى أشخاص ملتزمين اتجاهاً معيّناً من الدين، مع العلم أن المسلسل موجّه للعائلة في وقت السمر والسهرة خلال هذا الشهر، لكن البعض فشل باختيار الوقت المناسب للعرض وخاصةً القنوات الناقلة للمسلسلات، كذلك  اتخذت بعض المسلسلات طابعاً دينيّاً بحتاً أرادت أن تفرض ثوابها وعقابها على المشاهد رافضة فكرة التوسّط والاعتدال، ومع هذا قد يكون الواقع أكثر شراسة وظلماً وانحلالاً من الدراما، لكن المطلوب تصويره في الدراما ليكون بصورة أقرب إلى عقول المشاهدين ومراعاة فكرة أن ليس الجميع بمستوى فكري واحد.

كنّا سابقاً ننتظر شهر رمضان لنرى التنوّع في الدراما: من التاريخي إلى البدوي وحتى الديني ومسلسلات الأطفال فترة الظهيرة مثل (كان يا ما كان). أما الآن فقد غاب عن الدراما الطابع التثقيفي التربوي وحلّ بدلاً عنه الربح المادي والتجارة، مع العلم أن أغلب المسلسلات صوّرت الواقع لكن لم تُوفّق باختيار وقت العرض، أو اختيار الجمهور الصح، ربما يصعب المقارنة بين متطلبات الواقع لنوع معين من الدراما وخاصة خلال وبعد فترة أزمتنا السورية وما نجم عنها من انحلال في مجتمعنا وهجرة وتشتّت وتشرّد وخطف وقتل عنوةً، وحتى الثارات وتصفية الحسابات بين البعض بحجّة الحرب، وبين الزمن الماضي الذي كان يصوّر أصعب همومنا متجسّدة  بالوضع المعيشي فقط وظلم زوجة الأب لأبناء زوجها وظلم الأب للأم والأبناء. اختلفت صورة الدراما اليوم فالواقع أشدُّ ظلماً وخاصة بعد الحروب، لذلك علينا أن نختار أحداث الحياة المُرسلة للمشاهد بعناية، والعمل على تصويب أو إيجاد الحلول قبل الأسباب لكيلا تكون الدراما سبباً بزيادة الفوضى من خلال التقليد الأعمى عند البعض، فقد كان التلفاز ومازال الأب الثاني للأسرة وعلى هذا الأب أن يربّي ويرشد لا أن يهدم نتيجة غلط غير مقصود بتصوير واقع مرفوض، لذلك وجب التنويع للاستمرار في إيجاد حلول لا خلق سلوكيات جديدة مرفوضة في الواقع والدراما معاً.

العدد 1107 - 22/5/2024