الدراما.. صورة الواقع.. فأين الحلّ؟

إيناس ونوس:

اعتدنا خلال شهر رمضان على تحضير أجندةٍ نُسجِّل فيها أسماء المسلسلات ومواعيدها وأماكن عرضها في القنوات التِّلفزيونية العديدة، نظراً لمحاولة زجِّ غالبية الأعمال الدّرامية في سباق شهر رمضان وحده بشكلٍ يفوق بكثيرٍ ما يُعرض خلال العام بأكمله، إذ غدا شهر رمضان، وبامتياز، سوق تصريفٍ دراميٍّ يسعى إليه الجميع.

والدّراما السُّورية مثلها مثل جميع زميلاتها تسعى للظُّهور في هذا السُّوق، بالرَّغم من تميُّزها الذي أعطاها صكَّ عبورٍ إلى جميع المشاهدين بغضِّ النَّظر عن الزَّمان والمكان، لكونها تناولت ولا تزال مواضيع معيشةً وملموسةً يوميَّاً تلامس كلَّ مواطنٍ في الشَّارع، فقد وصلت إلى داخل بيوتنا بأدقِّ التَّفاصيل، ولامست القاع الاجتماعي بكلِّ تجليَّاته مسلِّطةً الضَّوء على أبسط الأمور وأعقدها، ما جعلها أقرب للمشاهد من غيرها، حتَّى في فترة تقهقرها أثناء الحرب الشَّعواء التي أرخت بظلالها على كلِّ مفاصل حياتنا، إلاّ أنَّها عادت لتحتلَّ موقعها مُجدَّداً عبر مجموعةٍ من الأعمال تصوِّر الواقع الحقيقي، وهو أحد أهمِّ أهداف وغايات الفنِّ في وضع الواقع تحت المجهر من أجل تعزيز الإيجابيات، أو الوصول إلى حلولٍ للمشاكل التي يعيشها المجتمع، غير أنَّ النِّهايات المفتوحة التي يتمُّ اعتمادها من قبل القائمين على تلك الأعمال يشكِّل ومن وجهة نظر شخصيَّةٍ نقطة ضعفٍ لا سيما في هذه الفترة التي نحياها، لأنَّ المتلقِّي بقدر ما هو بحاجةٍ لتسليط الضَّوء على واقعه ومآسيه، هو محتاجٌ لمن يمدُّه بالحلِّ للخروج من كلِّ تلك المشاكل التي يعاني منها، أو لمن يقدِّم له مجموعةً من الخيارات التي من الممكن أن يكون تطبيقها محقَّقاً على أرض الواقع، وهذه إحدى أهمِّ النِّقاط التي يجب العمل عليها في الفنِّ الذي من شأنه أن يقدِّم الحلول لكلِّ ما يعرضه من مشاكل، وإلَّا سنبقى في دوَّامة الحديث اليومي عن كلِّ تلك الإشكاليات ليس غير، وتكرار ما يتمُّ تداوله، بالتَّزامن مع هدرٍ للطَّاقات وللزَّمن وللإمكانيَّات دون فائدة، وبقاء كلِّ شيءٍ على حاله، والشُّعور الجمعي بالعجز وبأنَّ الحلَّ صعب المنال، فنكون وكأنَّنا عملنا على تنفيس الغضب والمشاعر السَّلبية فقط ليس غير، دون الوصول إلى النَّتيجة المرجوَّة.

ولأنَّ أيَّ تغييرٍ أو طرحٍ للحلِّ ليس من شأن عامَّة النَّاس، بل هي مهمَّة المثقَّف المعنيِّ بحمل لواء التَّغيير، فليس المطلوب من متلقِّي الدّراما أن يجد الحلول بنفسه أو يخلقها، بل أعيد وأكرِّر بأنَّه بأمسِّ الحاجة لمن يمدَّ له يد العون ويدلَّه على بداية الطَّريق، ويدعمه بالحجج المنطقية والقابلة للتَّطبيق العملي، فيرى تلك الأفكار وقد تحوَّلت إلى حقيقةٍ يلمسها، فيتمسَّك بالأمل أكثر فأكثر، ويعمل على شحذ ما لديه من إمكانيّاتٍ ليصبح لاحقاً مساهماً من مكانه في تحويل الأفكار إلى واقعٍ حيٍّ ملموس.

وكي لا أكون في موقعٍ يجعلني أظلم تلك الأعمال الدّرامية والقائمين عليها، فبعض الإشكاليات التي يتمُّ تسليط الضَّوء عليها ليس بمقدور أيِّ أحدٍ إيجاد حلولٍ لها، نظراً للخطوط الحمراء الكثيرة الموضوعة أمامهم، فهم يقفون في مكانٍ شائكٍ يجعلنا نقول لهم شكراً على شجاعتهم في عبور هذه المنطقة الخطرة، وكأنَّهم على الخطوط الأمامية والأشدِّ خطراً للجبهة التي يحاربون فيها وعليها.

نتمنَّى أن نصل إلى تلك المرحلة التي يستعيد فيها الفنُّ مكانته الحقيقية وأن يحقِّق الهدف المنشود بأن يكون حامل لواء التَّغيير نحو الأفضل، دون خطوطٍ حمراءَ أو معوِّقاتٍ إنتاجيَّةٍ أو محسوبياتٍ تقف حائلاً بين أيِّ عملٍ دراميٍّ أو مسرحيٍّ أو سينمائيٍّ، وغايته الأصلية والأساسية.

العدد 1105 - 01/5/2024