أنين الفقراء

د. أحمد ديركي:

اندلعت تحركات احتجاجية في بيرو. السبب الرئيسي لاندلاع الاحتجاجات هو ارتفاع أسعار الوقود والطعام وكل تكاليف العيش. تقع البيرو في أمريكا اللاتينية، ويفصلها كبلد يقع في قارة عن بقية قارات العالم محيط، كما أستراليا، الجزيرة المحاطة بالمحيط. وكذلك يعاني سكان أستراليا من ارتفاع في أسعار تكاليف العيش.

أما بقية قارات العالم، القريبة بعضها من البعض الآخر، مثل أوربا وآسيا، فسكانها أيضا يعانون من ارتفاع غير مسبوق في تكاليف العيش. وكذلك الأمر بالنسبة لكل القارة الأمريكية، سواء تلك التي فيها الولايات المتحدة أو بقية البلدان. يبدو، ومن المؤكد، أن كل سكان العالم، والأصح معظم سكان العالم، يعانون من ارتفاع غير مسبوق في تكاليف العيش، مما دفع بعضهم إلى الانتفاض ضد حكوماتهم، والبعض الآخر يئن تحت ضغوط الحياة اليومية وتكاليفها. وهنا يمكن أن يطرح السؤال التالي: إلى متى تستطيع شعوب العالم تحمّل كل هذه الأعباء المعيشية قبل أن ينفجر سكان العالم برمته؟ طبعاً الانفجار لن يشمل السلطات السياسية ولا الطبقة البرجوازية المتحكمة بالاقتصاد العالمي!

وتكثر التقارير العالمية حول الارتفاع غير المتوقع لتكاليف العيش في أنحاء العالم كافة، وبخاصة أسعار المحروقات، التي لعبت دوراً رئيسياً في ارتفاع أسعار السلع كافة، وكذلك ارتفاع سعر القمح عالمياً.

السبب في هذا الارتفاع كما هو واضح وجلي الحرب الروسية الأوكرانية! في السابق كانت تقع الكثير من الحروب، ما قبل الحرب العالمية الأولى، ولكن لم يكن لدول العالم أن تتأثر بهذا الشكل الرهيب بالحروب ما بين بلدين أو أكثر، ولم يكن للحروب هذا التأثير على الاقتصاد العالمي. إلا أنه منذ ما بعد الحرب العالمية الأولى ولغاية اليوم يبدو أن أي خلل في أي بلد يؤدي إلى اضطرابات تؤثر على كل دول العالم.

فالارتفاع غير المسبوق لتكاليف العيش يعود السبب الرئيسي فيه إلى ارتفاع سعر المحروقات عالمياً، وذلك بسبب الحرب الروسية الأوكرانية. وذلك الأمر بالنسبة لسعر القمح عالمياً، ما أدى إلى اضطراب في طرقات الشحن العالمية وارتفاع أسعار النقل. أي أن العالم لم يعد دولاً منفصلة، وبالتحديد من الناحية الاقتصادية، بل أصبح شبكة معقدة التواصل والتوصيل في ما بينها، وأي خلل في أي عقدة من عقد الشبكة يؤدي إلى خلل في الشبكة بأكملها.

ما دام هذا التشابك قائماً ما بين دول العالم فهو يعني أن تمركز الثروات مرتبط كذلك بالأمر عينه. ووفقاً لكل تقارير العالم الثروة تتمركز في بلدان العالم بأيدي حفنة صغيرة من سكانها، وبقية سكان البلد يعانون من تكاليف العيش. وبنظرة سريعة إلى نسب الفقر في كل بلد، وتحديداً في عالمنا العربي، يمكن أن نلحظ أن نسب تمركز الثروات مرتفع جداً، وأن السلطات السياسية القائمة تعمل شرطي حراسة لأصحاب هذه الثروات. فعلى سبيل المثال، لا الحصر، نسبة الفقر في لبنان بلغت ما يقرب 80%، أي أن هناك 20% من سكان لبنان ليسوا بفقراء!

فها هم أولاء سكان العالم، حتى البعيدين منهم، والذين في بعض الأحيان لا يعلمون ما يجري في العالم، بسبب موقعهم الجغرافي أو مستوياتهم التعليمية أو حتى عدم اكتراثهم بالأمور السياسية ومجريات الأحداث العالمية، يتأثرون بالحروب التي تجري بعيداً عنهم آلاف الكيلومترات. وأكثر من يتأثر بهذه الحروب فقراء العالم أينما كانوا.

يئنون تحت وطأة تكاليف العيش المرتفعة، وأغنياء بلادهم يستثمرون في الحروب القائمة والسلطات السياسية تدعي أنها من أزمات اقتصادية ولا تستطيع القيام بأكثر مما تقوم به بسبب الظروف العالمية.

لمَ على فقراء البيرو، وغيرهم في بقية دول العالم، أن يدفعوا ثمن الحرب الروسية الأوكرانية، في الوقت الذي يتنعم فيه أغنياء البلد برغد العيش ويطلقون الشعارات المؤيدة لهذا الطرف أو ذاك؟ وهذا ما نشهده في كل دول العالم. فهذا البلد يدعم روسيا وذاك يدعم أوكرانيا، والفقراء يئنون من شدة الفقر من دون أن يذكرهم أحد إلّا في مسألة عليكم الصمود!

العدد 1105 - 01/5/2024