تَعلُّمْ الانتظار في يوم واحد فقط!

بقلم ريم سويقات:

إذا كنت من الناس (العجولين) في الحياة، وأردت أن تتروى قليلاً في سبيل اتحاذ قرارات أفضل وأن تسير أمورك على (الدقة ونص)، فما عليك عزيزي المواطن إلا العيش في الريف السوري.

إن العيش في الريف السوري في الآونة الأخيرة يعلّمك الصبر و(طولة البال) لأسباب عديدة، أهمّها انقطاع الكهرباء لخمس ساعات متواصلة، مقابل ساعة وصل واحدة (شبه مكتملة) إذ يتخللها قطع كلّ ربع ساعة، مما يجعلك تعيش في أجواء رومانسية على نغمة الشتم واللعن بصوت هادئ.

ثم تأتيك حالة التعتيم الكامل عند حدوث عاصفة هوائية تمر بها المنطقة، وانتظار القرية في أغلب الأحيان يومين وربما أكثر لوصول عمال الكهرباء لإصلاح الضرر في محوّلة الكهرباء، الذي خلفته العاصفة واصطدام الكابلات المشرعة في الهواء ببعضها البعض. وعندئذٍ ما على المواطن إلا أن يعود إلى الأجواء الكلاسيكية القديمة فيشعل القنديل، اللوكس، الشموع بديلاً عن نور النيون واللمبة.

أما السبب الثاني الذي يجعلك طويل البال فهو التغطية الخلوية السيئة التي تترافق مع انقطاع الكهرباء، فإذا كنت مضطراً للاتصال بأحدهم فعليك إما انتظار ساعة وصل الكهرباء لتكون التغطية جيدة أو الوقوف أمام النافذة، نعم، يوجد تغطية عند النافذة أكثر من أي ركن آخر في المنزل وهي مجرّبة وفعالة.

ولأنني أنظر إلى الجانب الممتلئ من الكأس و بعد دراسة أجريتها حول الفوائد من انقطاع الكهرباء في الريف، وجدت أن النور شبه المعدوم في ريفنا الجميل يحفز الدماغ على التفكير في طرق أخرى لتسيير الأمور الحياتية ويعيد للمواطن ذكريات الماضي سواء كان في استخدام الأدوات القديمة أم استذكار القصص الماضية ونبش أسرار العائلة في سبيل تمضية الوقت مساءً، ريثما يضيء نيون كهربائي في المنزل وتدور الغسالة ويصفر حسّاس الطاقة الشمسية ويشتغل التلفاز.

ولأن لكل شيء سلبيات أيضاً مثلما له إيجابيات، لاحظنا وجود آثار جانبية أهمها نفخة في القلب وانتفاخ في القولون العصبي من التوتر الذي ينتاب المواطن الذي يذهب إلى إحدى القرى لأول مرة ويمكث فيها يوماً واحداً فقط، ولكن لا يلبث أن يعتاد على الأمر في حال قرر المكوث لوقت أطول ويعود إلى مدينته إما أيوب حياً، أو مواطناً سورياً ميتاً.

إلى متى ستبقى الأرياف في آخر الاهتمامات الحكومية، تصلح الأعطال بها على هيئة (تسكيجة) هنا وهناك، ألا يوجد بديل آخر عن الأعمدة الكهربائية في الريف، أم أن هذا يشكل تكلفة إضافية على حكومتنا الموقرة؟

دام عزّكم، أيها السادة، ما رأيكم؟

العدد 1105 - 01/5/2024