هل يكفي يومٌ للمرأة؟!

محمود هلال:

أمس كان يوم المرأة العالمي، وفي هذا اليوم تحتفل نساء العالم ونساء بلادي تكريماً لهن على ما يقدمنه من تضحيات جسام في سبيل أولادهن وأسرهن ومجتمعهن ووطنهن.

ونساء بلادي يحتفلن بهذا العيد في هذا اليوم، بعد سنوات من الحرب والقهر والعذاب والنزوح واللجوء وصعوبة العيش.

نعم، سنوات صعبة خاصة على اللواتي فقدن الزوج والابن والأخ والأهل والسكن والجيران والأصدقاء، فكانت معاناتهن كبيرة وحكاياتهن كثيرة لا تنتهي، ومازالت، وخاصة في ظل الأوضاع المعيشية الصعبة التي تزداد سوءاً وتعقيداً، في سبيل حياة كريمة لهن ولأولادهن ولأسرهن.

المرأة هي الحياة، وهي مصدر للسعادة، وقالوا فيها الكثير، وقد تكون مزيجاً من التناقضات، تجمع السر والغموض والوضوح والشفافية في الوقت نفسه، لكن ليس عصيّاً علينا فهمها إذا أردنا، لكن ما هو حاصل غالباً أننا نتجاهلها ونقسو عليها، ونسعى دائماً لإرجاعها إلى الخلف، لنبقى نحن في الواجهة نتسلق على نجاحاتها. ألم يقولوا: (وراء كل رجل عظيم امرأة)؟ هكذا نحن، نبقيها بعيداً عن دائرة الضوء ومراكز صنع القرار.

قد نحاول أحياناً التودد إليها أو التقرب منها، وذلك لغايات في نفوسنا، نقدم لها الورود ونخترع لها الكلام الجميل والمعسول، لكن ذلك لا يدوم طويلاً، نقوله في الثامن من آذار في يوم عيدها وننساه طوال أيام السنة!

كثير من النساء يقبلن بهذا القدر القليل من الاهتمام، ويعرفن جيداً هذا السيناريو الذي يتكرر كل عام، لكن كرمهن وقلوبهن الكبيرة وعطاؤهن وتسامحهن وغيره الكثير من صفاتهن النبيلة تطغى على كل ما يُقترَف بحقهن، فينسين الإهانة والمذلة ويكابرن على الجروح ويخفين أسرارهن وأوجاعهن في دواخلهن، ويغلِّبن العام على الخاص في سبيل الأسرة والأولاد والوسط المحيط بهن والمجتمع!

منذ الماضي السحيق تعاني النساء أشكالاً متعددة من التمييز والعنف والظلم والعبودية والتحرش والاغتصاب والانتقاص من الحرية والإنسانية، وكذلك من ظلم التشريعات والقوانين المتخلفة، وقد مضى أكثر من قرن ونصف على نضال المرأة عالمياً، عندما خرجت النساء العاملات إلى شوارع نيويورك وساحاتها احتجاجاً على ظروف العمل غير الإنسانية التي كن يجبرن على العمل فيها، كان ذلك في الثامن من آذار عام 1857، ومنذ ذلك التاريخ حتى يومنا هذا مازال النضال مستمراً عالمياً وعربياً.

ولم يكن وضع المرأة في بلادنا أفضل حالاً، بل كانت تعاني الجهل والأمية والتخلف، وكانت تجبر على الزواج من قريب لها في الأرياف، أو برجل يكبرها، مقابل حفنة من المال يأخذها الأب، أو تُزوَّج صغيرة مقابل رشوة للأهل (ببيت أو سيارة)، ورغم ما حققته بعض النساء في نضالاتهن وتغيّر الأحوال إلى الأفضل قليلاً، إلا أنها مازالت مسلوبة من كثير من الحقوق وتحتاج إلى كثير من النضال، لأن هناك من يحاول إرجاعها إلى عصور الظلام، عصور الجواري والإماء، وتقييدها بالعادات والأعراف والقوانين البالية.

المرأة في يومنا هذا ما يزال الغدر يتربص بها، وسيوف العالم الذكوري مشرعة عليها وتهددها بالطلاق أو بالضرة أو بالطرد من منزلها ورميها إلى الشارع، أو ردّها إلى بيت أهلها في أحسن الأحوال، وهناك من يحاولون استغلالها والاتجار بجسدها وإرغامها على ممارسة أعمال لا أخلاقية وابتزازها لكسب المال، وقد ينتهي المطاف بها إلى القتل!

فهل يكفي يومٌ واحد لنحمي المرأة ونصونها ونكون حلفاء حقيقيين لها، ونشدّ من أزرها، ونقف إلى جانبها، ونتبنى قضاياها ونقدّر عطاءاتها وتضحياتها، ونفتخر ونعتز بنجاحاتها ونمسك بيدها لنكون شركاء لها ونمضي معها لتحقيق حقوقها؟

تحية ووردة لنساء بلادي الصامدات الصابرات في عيدهن وكل عام وهن ونساء العالم بألف خير!

 

العدد 1104 - 24/4/2024