عالم جديد يشقّ طريقه دون حرب عالمية

طلال الإمام – ستوكهولم:

خاضت البشرية في القرن الماضي حربين عالميتين أدّتا إلى إزهاق ملايين الأرواح (نحو 75 مليون إنسان) إضافة إلى دمار شامل للبنى التحتية للعديد من بلدان العالم.. انبثق عن كل حرب نظام عالمي جديد وتكتلات وتحالفات بين الدول المنتصرة فيهما.

أدّى انهيار المنظومة الاشتراكية بقيادة الاتحاد السوفيتي إلى سيطرة الولايات المتحدة ومجموعة بلدان (حلف الناتو) دون حرب عالمية، وعاش العالم في ظل هيمنة قوة واحدة. نحن كلنا شهود نتائج تلك السيطرة الأحادية على البلدان والشعوب: حروب محلية وإقليمية، احتلال بلدان، قتل وتشريد ملايين البشر، سباق تسلح جنوني، ضرر بالبيئة، زيادة نسبة الفقر، المرض والإضرار بالبيئة، تعزيز نزعات التطرف الديني / الطائفي والإثني، زيادة العاطلين عن العمل والاقتصاص من كل الإنجازات الاجتماعية التي حققتها العديد من البلدان بفضل نضال شعوبها وفي ظل قطبين، عبر سياسة اللبرلة الجديدة.

لكن يبين تاريخ البشرية القريب والبعيد أن من المستحيل سيطرة قوة /قطب واحد على العالم. لابد من عالم متعدد الأقطاب يحقق التوازن ويساهم في كبح قوى الحرب والاستغلال، كما تستفيد منه شعوب بلدان آسيا، إفريقيا وامريكا اللاتينية.

إن مجمل ما ذكرنا يمثل مقدمة لقراءة أهمية نتائج القمة الروسية -الصينية التي عقدت مؤخراً وما نتج عنها من اتفاقيات اقتصادية ومواقف سياسية على المستويات المحلية، الإقليمية والعالمية، والتي تشير بوضوح إلى أن عالماً جديداً ينبثق (دون حرب عالمية هذه المرة) وإن بصعوبة على أنقاض عالم أحادي القطب، عالم متعدد الأقطاب يسعى لكبح نزعات الحروب العدوانية والمجمعات الصناعية العسكرية التي تؤجج النزاعات لرفع مبيعاتها وبالتالي أرباحها، على حساب نهب خيرات شعوب وبلدان بأكملها. وللدلالة على ما ذهبنا إليه نستعرض بشكل سريع أهم الأفكار التي وردت في البيان الختامي للقمة الروسية – الصينية التي تؤكد انبثاق قطب عالمي جديد. فما هي العناوين الأساسية:

* يعمل البلدان على مقاومة أي تدخل للقوى الخارجية في الشؤون الداخلية للدول ذات السيادة.

* تعمل روسيا والصين على زيادة التعاون ضد إجراءات القوى الخارجية لتقويض الأمن وضد (الثورات الملونة).

* أكد البيان أن العلاقات الدولية دخلت حقبة جديدة نشعر فيها بقلق بالغ إزاء قيام الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وأستراليا بإنشاء شراكة أمنية ثلاثية (أوكوس)، تنص على تعميق التعاون بين المشاركين في المجالات التي تؤثر على الاستقرار الاستراتيجي، ولا سيما قرارهم بدء التعاون في مجال الغواصات النووية.

* يدعو الطرفان الولايات المتحدة إلى الاستجابة بشكل إيجابى للمبادرة الروسية والتخلي عن خطط نشر صواريخ أرضية متوسطة وقصيرة المدى في منطقة آسيا والمحيط الهادئ وأوربا.

* التأكيد على أن تايوان جزء لا يتجزأ من الصين.

* يثير النشاط البيولوجي العسكري للولايات المتحدة وحلفائها يثير المخاوف ويشكل تهديداً لروسيا والصين. على واشنطن الإسراع في عملية تدمير مخزون الأسلحة الكيميائية. كما تم توقيع اتفاقيات اقتصادية بعيدة المدى بين البلدين وبشكل خاص في مجالات الغاز والنفط. تلك هي أهم النقاط التي تمخضت عنها القمة الصينية الروسية مع الأمل أن تشكل سنداً لشعوب العالم التي تعاني من ويلات الحرب، وانفلات الاحتكارات الدولية والنهب تحت شعارات مضللة.

طبعاً كل ما ذكرناه عن نتائج هذه القمة لا ينفي حقيقة أن نضال الشعوب هو العامل الحاسم في إنجاز السلام والعدالة.

العدد 1105 - 01/5/2024