جميع الفقراء ينتظرون بقعة الضوء في نهاية النفق

محمد علي شعبان:

تتميز المجتمعات المتخلفة بالتمسك بالجهل والدفاع عنه، خوفاً من المجهول، ويسود فيها النفاق، والظلم والتسلط من رجال الدين، ورجال المال، الذين تلتقي مصالحهم في تجهيل المجتمع، ومحاربة المتنورين فيه.

وتسود فيه أيضاً قوانين القوة التي يسنها المتسلطون، خدمة لمصالحهم. لذلك تكون الديمقراطية بدلالاتها الصحيحة عدوة لهاتين الطبقتين، المتناغمتين، مع جميع الانتهازيين والوصوليين، المستفيدين من الحالة السائدة.

لذلك تصبح أية فكرة جديدة تدعو إلى التنوير، أو التعليم، أو المساواة، أو العدالة، والتي تحمل في مضمونها التحرر، الذي يفضي لقول الحقيقة، وكشف هاتين الطبقتين وتعريتهما، مرفوضة ومحاربة، ليس من قبل الطبقتين المذكورتين وحسب، إنما من قبل المستفيدين منهما أيضاً. لذلك لن تنجح الأفكار التنويرية، والتحررية، مالم يتشكل الحامل الاجتماعي لها.

ولا بدّ من الاعتراف بصعوبة المهمة، لكن لابدّ أيضاً من الإقرار بأن التنوير والتحرر ممر إجباري لتطوير الشعوب ونهضتها.

قد يسأل أحدكم:

لماذا يقف المضطهدون والفقراء بمواجهة الأفكار والشخصيات الذين يدافعون عنهم، ويطالبون بمساواتهم مع الآخرين؟!

أغلبكم يعرف أن المجتمعات عبر التاريخ لم تُحكم بالديمقراطية، ولا بمواثيق حقوق الإنسان.

وما نشاهده من ديمقراطيات النظم الغربية حديثة العهد.. لم تكن موجودة سابقاً.

وهي في وضعها الحالي تفتقر للعديد من سمات الديمقراطية الحقيقية، التي تعني حكم الشعب نفسه بنفسه، وليس حكم الطبقات الرأسمالية بألوانها المختلفة للشعوب، كما يحصل في العديد من البلدان.

أغلب المجتمعات حُكمت بالحديد والنار، لعدة قرون. وكرس الحكام ثقافة وقوانين وتشريعات دينية واجتماعية، تؤبّد التسلط، وتجعل الحكام يتحكمون بالشعوب والثروات كما يشاؤون.

لقد استسلمت معظم الشعوب لنهج حكامها. ودافعوا عنهم وبرروا طغيانهم في العديد من البلدان في العالم، ليس حباً بهم، بل خوفاً من بطشهم، معتقدين أن القوة لا يجوز الوقوف بوجه أصحابها، باعتبارهم يمتلكون المال، والثروة والجند من المرتزقة الذين يعملون من أجل لقمة عيشهم فقط. لذلك يكونون أوفياء لأوامر سيدهم، ويعاملون الناس بقسوة لا مثيل لها، بغية إرضاء سيدهم وولي نعمتهم.

ذلك المناخ الذي ساعد، بظهور ثقافة الاستسلام، على عدم الثقة بالجدوى من مواجهة المتسلطين. وظهرت أقاويل عدة يرددها العامة:

كـ(العين لا تقاوم المخرز)، و(القوة جزاها الله كل خير)، و(اليد التي لا تستطيع أن تعضها، بوسها، وادعي عليها بالكسر!). و(امشي الحيط الحيط وقول يا ربّي السترة)، و(انجُ بنفسك وما شأنك بغيرك).

وعدد كبير من الأقاويل والأمثال التي أصبحت جزءاً من ثقافة الفقراء والمضطهدين.

فهل من بقعة ضوء في آخر النفق المظلم توحّد جهود الفقراء، والحالمين بغد أفضل للأجيال الجديدة؟

بالتأكيد إن التطورات التي شاهدناها في العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين، تؤكد أن المؤشرات تقول: إن عهد القطب الواحد ولى إلى غير رجعة.

وأن النظام العالمي الجديد سيكون متعدد الاقطاب وأكثر عدلاً، وأقل وحشية من النظام السابق، الذي قدمت فيه الإدارات الأمريكية المتعاقبة، النموذج الأسوأ في تاريخ البشرية.

فقد أشعلت الحروب في العديد من البلدان، وقسمت الأوطان، وسرقت مقدراتها بأساليب مختلفة. وعمّقت الصراعات، وكرست ديمقراطية المكونات، التي تشكل قاعدة بيانات لصراعات لن تنتهي.

وتؤكد المؤشرات أيضاً على بداية تناقضات في المجتمعات الأوربية من جهة، وداخل المجتمعات الأمريكية من جهة ثانية، يصعب على الإدارة الأمريكية استيعابها، في ظل التحديات التي تعيشها مع الصين من جهة، ومع روسيا الاتحادية من جهة ثانية.

وأن الخزينة النفطية الموجودة بدول مجلس التعاون الخليجي قد فقدت قيمتها، بسبب الثورة التقنية التي أصبحت في متناول العديد من الدول التي تنافس الإدارة الأمريكية وحلفائها، والتي تعتمد على الطاقات البديلة التي تقلل من الاعتماد على النفط، الذي يعتبر المصدر الوحيد للدول الخليجية.

لذلك سيبدأ العد التنازلي لنهاية النظام العالمي الذي أرهق الشعوب وحرق مدخراتها لمدة ثلث قرن من الزمن، مستخدماً لغة البلطجة والزعرنة.

وقد حان الوقت لتتنبه الشعوب والأحزاب السياسية التقدمية، التي تناضل ضد الإمبريالية وسياساتها التوسعية، ونهجها الذي مارسته خلال عقود من الزمن، وأن تجمع قواها وتوحد صفوفها، ليكون لها دور أساسي في صياغة مستقبل للبشرية، تنتصر فيه إرادة الشعوب، المحبة للسلام، والمؤمنة بشرعة حقوق الإنسان، والتي تعتمد ثقافة المحبة، وترفض ثقافة العنف التي اعتمدتها الأنظمة السياسية والدينية، على مدى قرون من الزمن.

وإن بقعة الضوء بدأت تظهر أكثر من السنوات السابقة، وكلما وحد الفقراء جهودهم، اقتربوا من بقعة الضوء التي تشكل نقطة تحول على مستوى العالم.

 

العدد 1105 - 01/5/2024