رؤية صينية موضوعية في الجدال الدائر حول الديمقراطية

د. صياح فرحان عزام:

لايزال الغرب يرى أن ديمقراطيته هي (الأيقونة السحرية) التي يفاخر بها بزعم أنها النموذج الأمثل لأركان الحياة السياسية والاجتماعية للشعوب كافة، بينما تؤكد وقائع التاريخ أن الأمر لم يكن هكذا، بل تراجع هذا النموذج ليصبح قيمة عبثية، وسبباً خطيراً مع احتدام الصراعات في الدول والمجتمعات، وزيادة التوتر الدولي، وانطلاقاً من ذلك كانت هناك رؤى مختلفة حول هذه المسألة منها:

– رؤية ياشامونك (أستاذ العلوم السياسية بجامعة هارفارد) في كتابه (الشعب ضد الديمقراطية)، قال فيه: (إن الشعبوية هي ديمقراطية من دون حقوق تتقاطع مع مشكلة أخرى، هي وجود حقوق من دون ديمقراطية كنتيجة لليبرالية.

– رؤية ديفيد رانسمان (أستاذ العلوم السياسية بجامعة كامبردج) في كتابه (كيف تنتهي الديمقراطية) مرجحاً أن تسهم التكنولوجيا في إنهاء الديمقراطية بشكلها الحالي.

– تقرير المعهد الدولي للديمقراطية والمساعدة الانتخابية، ويكشف عن حقائق مفزعة، أهمها أن أكثر من ربع العالم يعيش في ظل ديمقراطية متراجعة، في حين أن 70٪ من السكان إما تحت أنظمة غير ديمقراطية أو في ظل تراجع ملحوظ للديمقراطية، فقد تضاعف عدد الديمقراطيات المتراجعة خلال العقد الماضي، وأنه خلال عامين فقط خسر العالم أربع ديمقراطيات، وليس مستغرباً أن الولايات المتحدة تدخل في فئة الديمقراطيات المتراجعة.

– يرى عدد من الاستراتيجيين أن جوهر هذا التراجع يكمن في عدم اتساق السياسات الأمريكية مع طابع الخطاب الأمريكي، إلى جانب الممارسات الديمقراطية الأمريكية الخاطئة في مجال فرض الديمقراطية الأمريكية على الآخرين بالقوة، وبالأحرى عبر فوهة البندقية.

– منظمة فريدم هاوس، ترى أن الديمقراطية الأمريكية تعيش حالة مزرية، إذ تأتي في الترتيب بعد 69 دولة، فيما يتعلق بالحقوق السياسية والاقتصادية، وبالتالي، وبناء على ما تقدم تسقط المزاعم بأن الديمقراطية الأمريكية هي بؤرة الإشعاع والإلهام لمن يناضلون من أجل الديمقراطية في بلادهم.

من هنا تعالت الصيحات الصينية مؤخراً منددة بالطابع الهش للخطاب الأمريكي في قمة الديقمراطية التي دعا إليها بايدن، ومتوعدة بمقاومة الديمقراطية الزائفة التي تهدف واشنطن من ورائها إلى تدمير الدول الأخرى التي لا تشارك الولايات المتحدة القيم نفسها، ومستهجنة كيف يعطي بايدن دروساً في الديمقراطية، بينما يرفض العفو عن مؤسس ويكيليكس، وكيف يتم اغتيال حرية الصحافة باسم ما يسمى (الأمن القومي الأمريكي). في هذا الإطار يطرح الخطاب السياسي الصيني تساؤلات محورية ومنطقية إزاء قضية الديمقراطية بشكل عام منها:

ما الديمقراطية؟ هل هي صناديق اقتراع فقط؟ أم أنها تعني في الجوهر مجموعة من القيم والمفاهيم الثقافية التي ينبغي ترسيخها في أذهان الناخبين كالتسامح والعقلانية وتقبل الآخر المختلف واحترام هذا الاختلاف؟ وهل هناك نمط موحد للديمقراطية وأن النمط الأمريكي يجب نسخه وتطبيقه بحذافيره في بلدان أخرى؟ أم أن للديمقراطية أنماطاً متنوعة تناسب التنوع في ثقافات الدول وعقليات شعوبها وواقعهم وخصوصياتهم؟

هل من المنطق أن تقسم أمريكا العالم إلى عالم ديمقراطي وآخر شمولي أو استبدادي؟ إلى عالم متحضر وعالم متوحش، إلى عالم الأنا، وعالم الغير، علماً بأن مثل هذا التقسيم السخيف والمغرض يناقض روح الديمقراطية نفسها؟

هذه الأسئلة الصينية منطقية وعلمية تقوم على فهم الديمقراطية فهماً صحيحاً كونها قيمة مشتركة للبشرية، وغاية موحدة للبشر في كل أنحاء العالم، ويجب ترك أمر تحقيق الديمقراطية لكل دولة على طريقتها، وحسب أوضاعها، لأن فرض نموذج واحد من الديمقراطية على جميع الدول نهج بعيد عن الديمقراطية، فضلاً عن ضرورة إضفاء طابع ديمقراطي حقيقي على العلاقات الدولية.

باختصار، إن هذه الرؤية الصينية النقدية هي رؤية موضوعية تحسم الجدل الدائر حول قضية الديمقراطية، فأمريكا، التي تتهالك لفرض نمطها الديمقراطي، يعاني مجتمعها من أزمات حادة تهدد نسيجه، وتقوض وحدته بالتدريج، منها: الاستقطاب السياسي والإيديولوجي، والتفاوت الطبقي، والتمييز العنصري، وانتشار الأسلحة والجريمة والمخدرات، والزج بذاتها عسكرياً وسياسياً في كل أنحاء الكوكب الأرضي، والوقوف ضد الصالح البشري والمستقبل الإنساني الذي تبدو ملامحه سوداوية.

 

العدد 1105 - 01/5/2024