انتهى عام.. وبدأ عام جديد

د. أحمد ديركي:

يحتفل معظم البشر بنهاية العام. والاحتفال نابع من أسباب متعددة، فالبعض يعتقد أن العام الجديد سوف يحمل لهم (مستقبلاً) أفضل، والبعض الآخر يظن أنه سوف يكبر سنة، وبخاصة من هم في ريعان الشباب، معتقدين أن كبرهم في العمر سوف يفتح لهم آفاقاً أكبر. بينما هناك من يظن أنه كبر عاماً، فيشعر بالحزن، وبخاصة المسنون، معتقدين أن أجلهم يدنو مع انتهاء كل سنة. والبعض يحتفل بلا سبب سوى البحث عن بعض لحظات ممتعة.

بعيداً عن أسباب الاحتفال ومدى علاقته بالزمن الراهن، إلا أن الملاحظ، وبخاصة في عالمنا العربي، مع كل عام جديد أن هناك ظاهرة تتكرس أكثر وأكثر. وأكثر ما تبدو جلية عند الذين لا يذهبون للسهر خارج منازلهم. فهم يدعون الأهل أو الأصدقاء لقضاء رأس السنة في المنزل. يجهزون سهرة صغيرة تليق بهذه المناسبة ويقضون رأس السنة معاً.

هذه الظاهرة التي تتكرس في كل رأس سنة، تتمثل في حضور البرامج التلفزيونية، وهذا أمر طبيعي لتنوع البرامج والمسابقات التي تقام على المحطات التلفزيونية والجوائز التي توزع والأغاني والاحتفالات التي تبث مباشرة و… والجميع، بمعنى الحضور، يكون منهمكاً بالتحضير للاحتفال، بتحضير الطعم أو الطاولة أو المكسرات أو… إضافة إلى تبادل الأحاديث وغيرها من الأمور، ولكن عند بداية برنامج محدد، تقريباً يصمت الجميع، إلا الصغار، للإصغاء إليه.

الجميع يصغون إلى برامج التنجيم، وبخاصة إن كان اسم المنجم أو المنجمة لامعاً وفاقعاً في هذا الحقل. يحضر هذا (المنجم – المنجمة) العظيم والذائع الصيت ويبدأ بالحديث، فيصمت كل الموجودين ليستشفوا منه كيف للسنة الجديدة أن تكون. ومن لم يتمكن من سماعها يسأل من سمعها عما قاله هذا المنجم أو المنجمة، ويا لها من توقعات وتنجيمات!

توقعاته تغطي معظم المجالات، وجميع بقاع الأرض بلا استثناء، وإن استثنى بلداً يكون هذا البلد غير مهم على المستوى العالمي، وما أكثر البلدان التي يستثنيها. فمثلاً لا أحد منهم يتوقع ما الذي سوف يحدث في أنغولا أو فيتنام!

فهذا الجهبذ المفكر العظيم، أو المفكرة العظيمة، يحلل الاقتصاد العالمي، بكلمة أو كلمتين وينتقل إلى مسار الاقتصاد العالمي خلال العام الجديد. وبعد الانتهاء منه يذهب إلى السياسة العالمية، وبخاصة الرؤساء العالميين، أيضاً بكلمة أو كلمتين ثم يذهب من بعدها إلى توقعاته لهم خلال العام الجديد. بعد الاقتصاد والسياسة العالمية، يدخل إلى العالم العربي من واسع أبوابه، ومن ثم يضيق الحلقة ليصل إلى كل بلد من بلاده، طبعاً من دون ذكر البلد غير (المهم) في العالم العربي. فمثلاً من يتحدث عن المغرب! جميعهم يحصرون توقعاتهم في هذه المنطقة!

ترى لماذا ينصت الجميع لهؤلاء ويعرضون عن كل البقية؟ هل فقدت شعوبنا ثقتها بكل مسؤول وحديثه؟ هل تدنت المستويات العقلانية، لا العملية، لدى شعوبنا إلى حدّ أصبح فيه المنجمون هم أسياد الساحات الاقتصادية والسياسية؟

العدد 1104 - 24/4/2024