المنقذ من الأزمات في سورية: التدوير

يارا بالي:

شهرُ آذار من سنة 2011 م هو تاريخ بداية الحرب في سورية، هذا التاريخ الذي غيّر حياة كل السوريين بلا استثناء، هذا التاريخ الذي لا يمكن لأيّ سوريّ أن ينساه، لأن ما بعده ليس كما قبله، فهو تاريخ انفجار الأزمات، وبداية الدمار، هو تاريخ غيّر المواطن السوري، وأخرج منه ذاك الشخص الحديدي الصلب، صاحب القدرات التكيفية العالية، والإبداع الذي لا يُستهان به، فصار السوري اليوم منطلقاً من مبدأ: بدلاً من ندب الظلام أنِر شمعة، فعجاف السنين تلك، علمته أن لكل مشكلة حلاً بديلاً، وأن لكل بقايا مادة سبل استثمار جديدة تعيدها للحياة، فهو كما قيل (مُكرهٌ أخاك لا بطل) لا يملك رفاهية الخيار بما وقع، وليس لديه سوى محاولات بسيطة لإيجاد بدائل لاحتياجاته تكون أقلُّ تكلفة وأيسر تأميناً قدر المستطاع، لهذا لجأ إلى التدوير، فأصبح يصنع ما أمكن من أدواته الضرورية من موجودات المنزل، كصناعة مدفأة من (التنك) وغير ذلك من الأدوات الضرورية لاستمرار حياته، كما قام بتدوير الأطعمة، بإعادة طهيها بما يناسبها مكافحة للهدر، وتوفيراً للمصاريف، فمثلاً تُحضّر ربات المنزل من الفواكه التالفة مادة الخل، ومن البندورة التالفة الذبلة ربّ البندورة…. وهكذا، كما تقوم بحفظ الطعام الزائد بتثليجه، وإعادة تناوله في وقتٍ لاحق حفظاً له من العفونة وبالتالي الهدر. ولم يقف الأمر هنا، بل وصل التدوير إلى بعض المؤونة، فأصبحت ربات البيوت تقوم بإعادة استخدام الزيوت المحفوظ فيها اللبن أو المكدوس من العام الفائت بتصفيتها وإعادة استخدامها للمؤونة الجديدة توفيراً للزيت. كما وصلت سياسة التدوير للملابس والأقمشة القديمة، فمن كان في السابق يتخلص من ثيابه العتيقة، أو يرميها، غدا اليوم يُعيد تفصيلها وترميمها بما يناسب الوقت الحالي، أو يقدمها لمن تلائمه من أفراد العائلة. وتستمر حلقة التدوير الحياتية للسوري، لتصل حدود صناعة مواد التنظيف بشكل يدوي كامل من بقايا المواد المنزلية كالزيت المحروق المستعمل عدّة مرات، يوظْفه في صناعة الصابون المنزلي، وما إلى ذلك من هذه المستحضرات الكيماوية كحيلة اقتصادية ترحم الجيبة المفلسة، وتنقذ صاحبها من العوز الشديد. لقد أصبح المواطن السوري حالياً كما قيل في المثل الشعبي (مسبّع الكارات) يخترع ويتكيّف ويبدع في تقديم أفكار جديدة تخرجه من عنق الزجاجة، ليبصر النور ويتنفس الصعداء_ إن وُجد الأكسجين_ بشكل مجاني للجميع!! فاليوم حتى أعطال بيته على جميع الأصعدة هو من يصلحها خوفاً من دفع المستحقات المادية، ليغدو بذلك مديراً لذاته ونفسه وقدراته.

هذا واقع السوريّ اليوم، وفي هذه الدائرة يدور. أما عن دائرة الأماني، فيتصدّر القائمة أمنية استثمار الدولة السورية لمكنونات الطبيعة، وطاقاتها الضخمة من رياح وطاقة شمسية وحركة المدّ والجزر، لتوليد الطاقة البديلة المستدامة، ولاسيما في بلد غني بالخيرات الطبيعية، إذ يُعدُّ توظيفها واجباً وطنياً لا بدّ منه.

العدد 1104 - 24/4/2024