المرأة السورية رواية تجمع كل الحكايات

وعد حسون نصر:

الاختلاف في المعاناة عند المرأة السورية يكمن في اختلاف البيئة والمجتمع، لكن تبقى المعاناة عند النساء جميعاً واحدة في الأمور المصيرية وإن اختلفت بحكم طبيعة المكان، وصعوبة الحياة لتأمين لقمة العيش، أو من حيث القيود المفروضة عليها من هذا المجتمع، لكنها رافقت المرأة السورية من بداية حياتها وتفاقمت هذه المعاناة أكثر وأكثر خلال سنوات الحرب وما خلفته، مأساة فقدان السكن والزوج والابن والأخ والأهل والوطن، وهذا ما جعلها تقف بين الواقع المغموس بالدم، والصورة للعالم على أنها قوية وحرة والأولى في الريادة والقيادة في كل المجالات. لكن ماذا تخفي الصورة وراء كواليس الواقع وقسوة الحياة على هذا الكائن الممزوج من طيبة المشاعر والأحاسيس.. صانعة الحياة، حياتك مزيج من القهر في مجتمع فقدت به أنوثتك مع هجرة فرضت عليك، ومع زوج ذهب بعيداً مسلوب الإرادة، ولأنك إنسان يشكّل مجتمعاً بأكمله، فلا يمكن أن تقفي على حياد ولا أن تكوني النصف أمام عراقيل فرضها واقع صعب على كل جوانب الحياة، ولعلّ أهمها الجانب المادي ضمن قوقعة الحرب داخل البلاد وفي الدول المحيطة، وجاءت بعد مرارة حربنا الشرسة جائحةُ كورونا التي فرضت علينا حجراً جديداً، فصرنا نواجه عدواً أشدُّ شراسة من نار الحرب، ففرضت المعاناة قسوتها بشدة عليك وطالبتك ألا  تقفي على حياد، وهذا أمر طبيعي لأننا أمهات وأخوات وزوجات علينا أن نكون إلى جانب الشريك لمواجهة وباء العصر ومرض البلدان النائية (الفقر) فلم يعد الرجل وحده من  يقف بوجه تقدم المرأة، بل هناك خطر أقوى على كليهما معاً.. العوز المادي والتضخم الاقتصادي، فلا بدَّ أن يترتَّب علينا معاً رجالاً ونساء أن نقف بوجه هذه الضائقة التي صرفتنا عن أحلامنا، عن الحب، عن الضحكة، عن الفرح، عن احتضان أبنائنا، وعن قبلة الصباح على وجوه أطفالنا.. فمن يغيب عنه أن الفقر ظاهرة موجودة لا يخلو منها أي مجتمع، مع التفاوت الكبير في حجمها وطبيعتها والفئات المتضررة منها، وانخفاض دخل الفرد والأسرة؟

لابد أن تكون المرأة معيلة ومشاركة تسهم في تخفيف أعباء كثيرة عن الرجل، وخاصةً في هذا الزمن المحاط بالقهر الناجم عن الغلاء، وضعف قوة الشراء واستغناء الكثير منّا عن سلع تحت مسمى كماليات، إذ بالفقر تكمن المساواة بين الرجل والمرأة، فجشع التجار واستهتار الحكومة وعدم جديتها بإيجاد الحلول للأزمة وما خلفته من دمار، والعقوبات المفروضة واستغلال ضعاف النفوس للحرب والوباء جعل منّا جميعاً مجرد آلة تعمل لتتزود بالوقود آخر يومها بلقمة تقتات بها، فهذا الزوج الذي غالباً ما يخبئ ضغوط الحياة  ويصدرها للأسرة ضحكة ومحبة وأماناً وراحة لأنه استطاع أن يقدم جزءاً من المطلوب رغم قهر نفسه بضغط الظروف، ولأن المعاناة الآن لا تقف عند تحرر المرأة من سلطة رجل أو نظرة مجتمع أو تهميشها، فقد بات القهر والحرمان يمارس على الجميع حتى الأطفال نالهم منه الحصة الكبرى، وهذا نتيجة قرارات طالت قوتنا اليومي ولقمة عيش أطفالنا، لدرجة أن الجميع بات يعمل ليؤمن مستلزمات ومطالب الحياة يوماً بيوم، فتتأثّر النساء بالحصة الأكبر ويغدو وقوفها مكتوفة الأيدي بمثابة عجز كامل لنهضة المجتمع.

ولأننا نعاني من حصار طال كل نواحي معيشتنا، ما جعلنا كنساء نقف على خط النار لمواجهة علّة العلل.. العوز المادي، وبالتالي وقع على المرأة أعباء وضغوط كثيرة، فإن كنتِ معلمة سيدتي، لابد أن تمتلئ حقيبتك بأصابع الطباشير ودفاتر التلاميذ وكتب الأناشيد، هنا لا مكان لميل حمرة الشفاه في حقيبتك لتزيني به أنوثتك التي خصّك الله بها. وإن كنت طبيبة فالدم الذي يلون ثوبك الأبيض أبعد عنك رائحة العطر وغابت قمصانك المزركشة التي تزيد فيك الجمال جمالاً. وإن كنت عاملة لا يختلف الوضع كثيراً.. ومع أمومتك يكتمل القهر بشقاء بين المنزل والعمل لتضيع الأحلام كلها، فلا مجال للحلم في زمن سطوة المادة وسبب كل سعادة التي بغيابها تضيع الأفراح منا.

طبعاً هذا الوضع يشمل الرجل والمرأة اللذين باتا يبحثان عن ذاتيهما بعيداً عن الفقر والجوع، يبحثان عن لقمة العيش للأفواه المفتوحة التي تنتظر عودتهما للمنزل محملين بأطيب الأكلات، فهل هناك أشدُّ ظلماً من الفقر لأنه يحجب روحك عن العطاء؟ كل هذه الصور البشعة رسمها تجار الأزمات لتجعل منّا مجرّد باحث عن الحياة في كسرة خبز، جعل من الرجل آلة حية تعمل ليل نهار بعيداً عن أطفاله لا يعلم عن مدارسهم سوى انتقالهم من صف إلى صف، لا يعلم عن ثيابهم إلاّ أنها نظيفة أو ممزقة بحاجة إلى تبديل، حتى ضحكات أطفاله باتت ذكريات منسية، وازداد الحمل الأكبر على الأم التي تارة تغسل وتطعم وتربي وتدرّس، وأخرى أب يتابع أمور المنزل في الخارج من مشتريات ومشاكل الأبناء إضافة إلى العمل لتأمين ما يمكن من مستلزمات.

لذا، لابد من وضع قوانين من قبل الجهات المعنية تلاحق تجار الإنسانية، فربما تسهم هذه القوانين بعودة الضحكة المنسية تدغدغ أذهان الآباء وتداعب أفكار الأمهات وتُنير شفاه الأطفال بقلوب حب بعثتها السعادة.. نعم حاربوا الفساد في المجتمع واقلعوا جذور الاستغلال من نفوس سفاحيه من التجار حتى ينهض مجتمعنا متكاملاً بنساء ورجال وأطفال يصنعون الحياة من جديد مع عودة أسرتهم تحت سقف واحد مبني على احترام الإنسانية.

العدد 1104 - 24/4/2024