السياحة ثروة طائلة

إيمان أحمد ونوس:

تُعتبر السياحة بمختلف أنواعها مصدراً أساسياً من مصادر الدخل الوطني الذي يُساهم برفع السوية المادية والمعرفية والثقافية للفرد والمجتمع، مثلما تُساهم في انتعاش الاقتصاد المحلي وازدهاره بما تُدرّه من أموال ترفد خزينة الدولة من جهة، ومن جهة أخرى تعمل على تخفيف حدّة البطالة أو نسبها في المجتمع ولكل الأعمار من خلال فرص العمل المتنوعة التي تتطلّبها، فتصبح السياحة في هذه الحالة إحدى أهم الثروات التي تتغنّى البلدان بامتلاكها.

كثيرة هي الدول التي يقتصر اقتصادها على السياحة فقط، فهي تستثمر كل ما يمكن استثماره من مقوّمات السياحة كالأماكن الطبيعية والأوابد والآثار التاريخية الموجودة فيها، إضافة إلى أنها تعمل على خلق صناعة سياحية تقوم على الترويج لهذه المقوّمات من خلال استثمار الاعلام بمختلف وسائله وأدواته ومنها الأعمال الدرامية والسينمائية مثلاً عبر التركيز على الصورة كبروشور غير مباشر، وكذلك من خلال الاتفاقيات الدولية والبرامج ذات الصلة، فتغدو قبلة ومعلماً سياحياً عالمياً يقصده الزوّار من مختلف بلدان العالم.

وإذا ما نظرنا إلى ما تمتلكه سورية من مقوّمات سياحية، سنجد أنها تمتلك الكثير الكثير الذي يجعلها في مقدمة الدول السياحية في العالم، إن كان على مستوى الموقع الجغرافي أو المناخ أو كثرة الأماكن الأثرية والأوابد التاريخية المتنوّعة والمُمتدّة على مساحاتها كافة. فسورية تتمتّع بموقع جغرافي يجمع ما بين السهل والجبل، وما بين الوديان والساحل، وكذلك الصحراء بسحرها الذي لا يُضاهى، يتخلّلها جميعاً غابات طبيعية بكر في بعضها، وأخرى تمّ العمل عليها بما هيّأه المناخ في أماكن وجودها، إضافة إلى المحميات الطبيعية الساحرة.

ولكن، هل من استثمار حقيقي لهذه الثروات والمقومات؟ وهل السياحة في سورية مصدر من مصادر الدخل الوطني حقيقة؟ هل من ترويج لكل الجمال الطبيعي والساحر في مختلف المناطق السورية؟ وهل يمكننا القول إن لدينا صناعة سياحية حقيقية؟

إن المتتبع لهذا الواقع يجد أنه ومنذ ما قبل الحرب الحالية لم يكن هناك استثمار حقيقي وفاعل لمختلف مقوّمات السياحة سواء الطبيعية أو الدينية أو التاريخية، مثلما سيجد أن هناك إهمالاً غير مقبول أو غير مُقنع للكثير من المواقع والقلاع الأثرية سواء من حيث إيجاد الطرق أو وسائل النقل الخاصة بها، أو من حيث الترميم أو الترويج لها، وكذلك عدم الاستعداد لموسم الحرائق التي تلتهب كل صيف، فتلتهم أجمل الغابات والمناطق وسط صمت مُطبق وعجز عن التصدي لها ولفاعلين بات بعضهم معروفاً بأهدافه وغاياته. ولا يفوتنا ملاحظة عدم التأسيس للصناعة السياحية التي يتمُّ من خلالها التعريف بالأماكن السياحية عبر وسائل الإعلام والإعلان، وتكاد تخلو الصحف والمجلات وسواها من ذكر تلك المواقع أو توصيفها والترويج لها، مثلما لا يتمّ استغلال الأعمال الدرامية والبرامج من أجل الترويج للطبيعة السورية كما هو الحال في العديد من الأعمال الأجنبية المُدبلجة التي يتمُّ عرضها على شاشاتنا الوطنية. كما لا نجد هناك تشجيع للسياحة الشعبية عبر تشييد الفنادق البسيطة أو المنتجعات أو الشاليهات التي يمكن للشرائح البسيطة الإقامة فيها بما يتوافق والإمكانات المادية، وهنا لا يمكننا نسيان ما تمّ فعله بشواطئنا التي أُغلِقَت بوجه الشرائح الوسطى والبسيطة منذ عقود خلت لصالح الاستثمارات الخيالية، بحيث لم يعد البحر ملاذاً لكل من يحبه من البسطاء، بل غدا حكراً على فئة استولت على كل شيء بما تمتلكه من نفوذ وأموال!!

لا شكّ أن هذا الواقع المؤلم يُرخي بظلاله وثقله أيضاً على الاقتصاد الوطني مثلما يُلقي بتبعاته على المواطن باتجاهين اثنين، أولهما عدم قدرته على القيام بالسياحة الداخلية لارتفاع تكاليفها بما يفوق إمكاناته المادية، وثانيهما استفحال البطالة بين الشباب في المناطق السياحية بسبب عدم امتلاك ذهنية الصناعة السياحية الحقيقية والفاعلة، وهنا تقع المسؤولية على الجهات الرسمية كوزارة السياحة أولاً ومن ثمّ باقي الجهات ذات الصلة أو المعنية بالشأن السياحي في المحافظات، كما أن المواطن ولا شكّ يحمل بعضاً من المسؤولية حين يتغنى بجمال البلدان الأجنبية بينما يعيش وسط جمال أكبر يُضاهي جمال البلدان الأخرى، إضافة إلى لجوء الكثيرين لقضاء إجازاتهم أو مناسباتهم الخاصة كشهر العسل مثلاً في دول أجنبية لا تحظى بالجمال والسحر الموجود عندنا، والسبب تلك الذهنية الفوقية- الدونية بآنٍ معاً. وهناك أمر آخر لا بدّ من الوقوف عنده، وهو الاهتمام والانتباه واحترام تلك المناطق من خلال الحفاظ على جماليتها ونظافتها وصيانتها من التخريب والإهمال وهذه مسؤولية مشتركة ما بين الحكومة والمواطن.

هنا، وفي ظروف قاسية ومريرة كالتي تمرُّ بها سورية، لا بدّ للحكومة أن تلتفت لهذا الواقع من مختلف جوانبه كي نتخطّى العقوبات والصعوبات التي تقف عثرة في طريق إيجاد موارد دخل للخزينة بما يعمل على تحسين واقع السياحة من جهة، وكذلك الواقع المعيشي للغالبية التي تترنح اليوم تحت ضربات الغلاء والحصار وتلاعب تجّار الحروب والأزمات بلقمة عيشنا ووجودنا، فهل من آذانٍ مصغية للمسؤولين؟

العدد 1105 - 01/5/2024