مرآة البلد ونافذة جمالها

وعد حسون نصر:

لا ضرورة لتأكيد أهمية السياحة ومدى عظمتها في تنشيط الاقتصاد وانفتاح أي دولة على العالم لدرجة أنها تصبح مرآة تعكس ما في هذا البلد من جمال لتجذب إليه الناس من كل مكان للاستمتاع بجماله، ولا أظن أن سورية الجميلة بعيدة عن نافذة الجمال، فهي مليئة بالسحر، ذات طبيعة متنوعة المناخ، فشتاؤها دافئ، وربيعها معتدل، صيفها لطيف مليء بالحب والضحك والأفراح، وخريفها مضطرب كروح عاشق ولهان. سورية خضراء مزهرة بسهولها، حالمة رومانسية ببحرها وأنهارها، مشرقة وشامخة بجبالها، صامدة ومسيّجة بغارها، والتاريخ سطّر أمجاده على قلاعها، وجُلّقَ حملت للعالم تاريخها مُسطّراً على جدرانها، فغدت دمشق بوابة التاريخ، حتى الناسك وجد فيها ملاذاً له في مقاماتها من الأموي، للسيدة، لجبل الأربعين. فكيف للعالم أن يغفل عنها وتغدو مثل مقبرة تدفن جمالها بعد معاناتها مع حرب حرقت الأخضر واليابس، ودُمّرت في تدمر أعمدة الشموخ، وفي حلب زُرع بدل الغار عوسج حول قلعتها؟ وأين اختبأ الفرات في منطقتها الشرقية، هل ابتلعته أرض الدير وهو عريس يجول منها إلى البوكمال؟

لا يمكن أن تمحو الحرب معالم سورية الجميلة، تلك العروس المزينة بكل الحضارات، المخطوط على ثوب فرحها أمجاد الحروب وملاحم البطولات وقصائد الحب وأغاني العشاق، مسارح مفتوحة جسّدت طقوس فرحنا وحزننا وضحكاتنا، مدن تشهد كم مرّ علينا من أمجاد، لذلك لا يمكن أن نجعل الحرب تدفن تاريخها حتى وإن حرق الحاقدون آلاف الهكـتارات ستبقى جنة الدنيا على الأرض. فلماذا لا نعيدها كما كانت، ينشط من خلالها اقتصادنا وندخل عائدات السياحة ضمن ميزانية الدولة، إضافة إلى تعريف أهلها بأماكنها الجميلة وأوابدها وآثارها، فالكثير من دول العالم يقوم اقتصادها على السياحة وتعتبر من أغنى دول العالم بهذا الرافد الكبير من السياحة، فكيف إذا كانت هذه الدولة كسورية تحمل العالم كله فيها، أليس من الجدير أن نبهر العالم بجمال مفاتنها؟

لذلك، نأمل أن تكون السياحة عاملاً مادياً مهماً وعائداً بالخير على البلد، فلدينا الحمامات الدمشقية المشهورة وهذه تجذب كل من يرغب أن يطهر جسده بمياه قداسة دمشق، عاداتنا وكرمنا وحبنا للضيف عنوان يسبقنا للعالم أجمع، فلماذا لا نجعل لقمتنا سفيرة لنا ونحن أهل الكرم من خلال مطاعمنا التي تطلُّ بشرفاتها على أجمل المناظر، ونحن من أرضنا نجني ثمارنا، فعلى الرغم من الحصار المفروض علينا والحرب الحاقدة، بإمكاننا أن لا نبخل بتصوير جمال طبيعتنا، وأن نستقطب بناء بلدنا من خلال مغتربين يروجون للجمال فيها، فكم من غائب سوري لا يعرف سوى منطقته، فلماذا لا نرسم جمال مناطقنا للكون عبر أبنائنا سفراء بلدنا وخير من يخبر عنها لمن حولهم، لا تستخفوا بالسياحة فهي منجم من ذهب وماس يدرّ المال الوفير على أبنائه، أعيدوا ترميم ما فسد بسبب الحرب، وأنعشوا الكرم بلقمتكم الطيبة، اجذبوا من حولنا أبناء البلد أولاً ليجذبوا هم العالم بعدها بكلامهم الجميل عن بلدهم بصور ومنشورات، خاصة أن العالم الافتراضي يغزو الفضاء الرحب بكلمات، لا تدفنوا معالم شامخة بوجه التاريخ ومتحدية كل القهر لتبقى لزماننا هذا رسالة مجد، فنحن مقبلون على مرحلة من التغييرات، دعونا نستفيد منها لننشط قطاع السياحة، فعروستنا الجميلة سورية غاية من الجمال والرقة والمفاتن لا تغطوها بعباءة سوداء، ألبسوها ثوباً أبيض وعطّروها بالنارنج والبوكونيا والريحان والزنبق، انثروا ثوبها بزهر الليمون وأعواد الصنوبر، زيّنوا أكمامها بشلالات الماء العذب من بردى، واجعلوها شامخة كجزيرة وسط البحر، وبالقمح زينوا عنقها فهل أجمل من الذهب الأصفر؟ شغّلوا مراكبها بالوقود فلدينا من النفط أنهار لتصل مركب عروستنا، ولا تنسوا أن تكتبوا اسمها بالقطن الأبيض لتطلّ من دمشق وتمرّ فيها لتصل إلى البوكمال على حصان أبيض قطعت البحر والسهل والجبل والهضبة ووقفت عند قاسيون وصدحت أنا الشام من جذور عريقة، اسألوا التاريخ يجبكم من أنا بالمعلقات والروايات، مازالت أروي لكم كل يوم حكاية في مقهى النوفرة، وأجسّد أجمل الأحداث عن الزير وعن شهرزاد وعن مظالم السفاح، حافظوا على ذِكرٍ جال العالم ومازال كل يوم يحطُّ رحاله ليصل إلى كل البلاد.. سورية فجر التاريخ معلم سياحي للحاضر والماضي وخير أرض ولدت فيها الحياة.

العدد 1105 - 01/5/2024