واجبنا نحو السياحة في بلادنا

ريم داوود:

حبا الله سورية بالكثير من النعم التي ترفع شأنها وتجعلها محطّ أنظار الكثير من الدول، ومن بين تلك النعم المقومات السياحية التي تتمتّع بها متفرّدة عن غيرها من الدول، متميّزة بمناخ معتدل وفصول أربعة، أماكن ساحرة، آثار قديمة وحضارات عريقة، ومن هنا تأتي أهمية الحديث عن السياحة.

من منّا لا يحب أن يرفّه عن نفسه ويزور أماكن جميلة يكتشفها ويتعرّف عليها، يهرب من زحام الضجيج وضغوط الحياة، ويمتّع ناظريه بما خلق الله وأبدع؟

يعتبر قطاع السياحة غاية في الأهمية بالنسبة لكل دولة، لما له من الأثر الإيجابي في بناء الاقتصاد والنهوض بالبلد، فكيف إن كان هذا البلد خارجاً من حطام وسحق حرب دمّرت ماضيه وحاضره؟

في زيارتي لدولة فرنسا عام 2010 كأي سائح كانت وجهتي الأولى نحو المعالم المشهورة وهي قصر اللوفر، قوس النصر وبرج إيفل، لكني للأسف صُدِمتُ بما شاهدته عيناي من آثار مسلوبة، ضخّ إعلامي ومبالغة أكثر ممّا تستحقه تلك الاماكن!

آلمني أن أرى داخل قصر أو متحف اللوفر كما يسمونه آثار سورية وعربية مسلوبة يتغنّون بها ويجذبون السياح إليها، تنظيم وترتيب لم أشهد سابقاً له في ترتيب التحف والآثار، وهذا ما يُسمّى بالاستغلال الأمثل، حيث تحتاج يوماً كاملاً لتنهي زياتك داخله، فإذا عدنا إلى التاريخ نجد أن فرنسا لا تمتلك حضارات عريقة كغيرها من الدول، لكنها صنعت لها معالم سياحية تجذب إليها الآلاف كل يوم.

وفي مشهد آخر نرى موكباً مهيباً لمومياوات مصر يُحتفل بها احتفالاً ملوكياً بهدف تشجيع حركة السياحة وشدّ عزيمة أهلها بما لديهم من إرث حضاري عريق، ومن منا لم يُذهل ويُدهش بما صنعته مصر الشهر الفائت؟

يؤسفني ويؤلمني ما آلت اليه بلادنا من دمار مقصود عن سابق تصميم وتخطيط، والمؤسف في هذا الدمار أننا اشتركنا كسوريين أبناء هذا البلد في دماره وخسارة حضاراته وآثاره، فمنها ما نُهب وسُلب، ومنها ما تمّ تهريبه خارج البلاد مقابل مبالغ بخسة قياساً لقيمتها، ومنها ما دُمّر نتيجة جهل وحماقة وغباء.

وعليه ووفقاً لجميع المعطيات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية نقف اليوم موقف المُرتاب تجاه إرثنا السياحي أو ما تبقى منه متسائلين: كيف الطريق لتفعيله وإعادة الحياة والنبض له؟

أنواع السياحة

السياحة أنواع عديدة، منها الدينية، الرياضية، الثقافية، الترفيهية، الشاطئية والصحراوية

فالسياحة الدينية تُعنى بالحج للأماكن المقدّسة، وتمتاز سورية بمواقع لا تُحصى ولا تُعد من هذه الأماكن التي يرغب أهلها في زيارتها قبل السائح الغريب.

أما السياحة الثقافية فتتمثل في زيارة الأماكن الأثرية من متاحف أو معالم قديمة، لكن للأسف نجد هذه الأماكن وقد ضربت فيها أيادي الارهاب الخارجي والداخلي، ونهبت ما نهبته، ودمّرت ما دمرته.

والسياحة الرياضية أو سياحة المغامرات فهي تستهوي الأفراد الذين يبحثون عن المخاطرة كركوب الأمواج، تسلّق الجبال، سباق القوارب والتزلّج على الثلج، وهذا النوع لا يزال مُغيّباً لدينا ومهملاً رغم أن سورية تمتلك المقومات الكافية لتأهيل هذا النوع من السياحة، فضلاً عن المردود المادي الذي يعود بالنفع والفائده على اقتصاد البلد.

وكذلك هناك السياحة الشاطئية التي تشتهر بها الدول التي تطلّ على مناطق ساحلية، وهنا لا يسعنا سوى إلقاء الضوء على أهمية هذا النوع، فسورية تحتل امتداداً شاسعاً على الساحل، لكن المُستثمر لا يعدو جزءاً قليلاً لا يُمثّل الشكل الأمثل، فجزيرة أرواد مثلاً تحتاج إلى تأهيل وعناية واهتمام أكثر ممّا هو قائم اليوم، لأن تنشيط هذا النوع من السياحة وبطريقة عصرية يمدُّ الاقتصاد الوطني بدعم كبير.

إننا اليوم نبحث عن طريقة لننهض فيها من ركامنا ونصحو من غيبوبتنا، وليس من سبيل سوى تنشيط وتفعيل المقومات السياحية في كل بقعة من بقاع سورية، فعلى سبيل المثال نجد المناطق الجنوبية مثل جبل الشيخ مغيّبة تماماً عن السياحة على الرغم من أنها تمتلك مقوّمات ممتازة لممارسة السياحية الرياضية والترفيهية، كذلك نجد مناطق شاسعة تغيب عن هذا القطاع ربما عمداً أو سهواً، فعندما نهمل مناطق أثرية ونتركهاعرضة للتخريب والاتساخ دون العمل على ترميمها وإحيائها، فنحن نعيث فيها الفساد والخراب كما يفعل المخربون تماماً، فالإهمال والتخريب وجهان لعملة واحدة.

أما عن أهمية السياحة، فليس بخافٍ على أحد النفع والفائدة الاقتصادية التي تعود على الفرد والمجتمع، ذلك أنها ترفع من الدخل القومي بنسبة كبيرة، كما توفّر فرصة العمل لفئة كبيرة من الشباب ما يحدُّ من نسبة البطالة ويوفّر دخلاً شهرياً لهم.

وزبدة القول إن تطور قطاع السياحة واستغلال المعالم السياحية ليس مهمة الحكومة فقط، بل من واجبنا كأفراد ومواطنين أن نوحد جهودنا مع جهود الحكومة لنحافظ عليه نظيفاً سليماً من كل تخريب، ونحرص على عدم إلحاق الأذى والضرر بالمعالم السياحية أيّاً كانت، كما يجب على المعنيين والقائمين على هذا القطاع العمل على توعية المواطنين بأهمية السياحة وكيفية تحفيزها، وتسهيل إجراءات العمل للراغبين ضمن هذا القطاع.

العدد 1104 - 24/4/2024