في الداخل والخارج.. أين السوريون من حقوق الإنسان؟

وعد حسون نصر:

في الوقت الذي يتوجه العالم أجمع للاحتفال السنوي من أجل التأكيد على حقوق الإنسان، ويتناول سيل الدماء ومدى تأثير الحروب على الشعوب قاطبة، أين نكون نحن السوريين من هذا كله؟ أين حقوقنا وسط قهر عاث في نفوسنا ودمّر الأمل فينا؟؟

لم نعد نستطيع رؤية الضوء، فالعتم عشّش وعمّ حدقات عيوننا، سنوات من الحرب قتلت فينا كل إحساس بالحياة، دمّرت بيوتنا، جدران منازلنا، وحرقت الصور بما فيها من ذكريات، السقف لم يعد يخبئ أحلامنا ولا يستر عوراتنا ويحمينا من الرعد والمطر، والباب لم يعد ينغلق على أسرارنا، بات مشرّعاً لضربات الريح وصفير صداها في العراء، حتى الأرض لم تعد تدفئ الأقدام، فأشواكها باتت في درب أحلامنا تتعثر بها خطواتنا نحو الأمل، فقد هجّر السوريون في أصقاع الدنيا وانتشروا في العالم أجمع، ذُلّوا على أبواب السفارات، ذاقوا المرار في خيام الدول الشقيقة والصديقة، وحتى في خيام الداخل، فقدوا أولادهم وأحبابهم، فقدوا كل شيء في طرقات الموت الذي ظنّوا أنها نجاة لهم من بلادهم التي تعرّت أمام الحرب وصارت ميدان للقتل والغزاة، حقائبهم المبعثرة على شواطئ الموت مازالت حتى اليوم تروي قصص القهر ومسيرة العذاب، عبوات حليب أطفالهم مازالت تصرخ مع صوت الريح تُخبر عن قهر أمهات فقدن أطفالاً رضّعاً صاروا طعاماً شهيّاً للأسماك!

نعم، نحن السوريين إن لم يتكلّم عنّا زعماء العالم في اجتماعاتهم لمناصرة الإنسانية وحقوق أبناء الجنس البشري، سيتكلّم عنّا الحجر والشجر والبحر والجبل والصخر والفلا والسماء، وحتى الريح تنثر صوت قهرنا في كل موسم ليسمع عذابنا كل البشر.. تهجّرنا، جعنا وأصبحنا بلاداً تعجُّ بطوابير الذلّ على رغيف الخبز وكيس الرز وكيس السكر، وحتى على استلام أسطوانة الغاز أصبحنا نقف ساعات وساعات ونحن نحلم بعد هذا العناء بكأس شاي ساخن أو طبخة شهيّة فيها كل ما تشتهي النفوس من لذّة المذاق، غابت عن منازلنا مدفأة الشتاء، وغابت معها قصص الأجداد وحكاياتهم، غابت من حولها رائحة الخبز المُسخّن وصوت المقرمشات، غابت لذّة اللبن المغمور بزيت الزيتون بعد أن حرقوا شجرنا ويتّموا معه طعم الحنين لسهرات الشتاء، افترشنا الأرض داخل البلد وباتت السماء غطاء والأرض فراشاً ووسادة رأسنا حجارة الطرقات أو أحذيتنا الممزّقة من الركض بحثاً عن النجاة، لم نسلم من الذلّ حتى داخل البلاد، أصبحنا نُنعت بالمهجّرين والنازحين وكأننا درجة ثانية بعد أهل المنطقة، كما يسميهم البعض داخل البلاد، كم من أم شربت حسرة القهر على ابنها وهو يُضرب أمام عينيها، لأنه مُصنّف درجة ثانية وموصوم بنازح، وكم من أب استلم وثيقة باسم ابنه الشهيد يوقّع عليها بدموع عينيه ليستلم بعدها ثمن دمه علبة زيت وكيلو سكر من إحدى الجمعيات، بعد أن يذوق الذل والقهر من موظف يصرخ وكأنه يدفع ثمن شهادة أبنائه بالوفاة من جيبه!

فعن أيّة حقوق تتكلمون، عن أيّ ميثاق تتحدثون؟ وبأيّ قلم توّقعون وتصادقون على حقوق غابت عنها دماء السوريين الأبرياء؟ من افتعل هذه الحرب لينال منها الحصّة الأكبر سوريون شباب وشيّاب، صغار ونساء وكهول.. كل السوريين كانوا عبارة عن أداة بين أيديكم، عبثتم بدمائهم، شرّدتم أبناءهم، وأنهكتم الشيوخ والكهول والأطفال، ضيّعتم أحلامنا نحن السوريين بين أمل بالنجاة من طغاة الخارج، وفرح بالعدالة، وفي آخر المطاف تتحدّثون عن حقوق الإنسان وعن حق الحياة وأنتم أول من حرمنا من نعمة الحياة، حق اللعب للطفل وأنتم أول من حرق بطائراتكم ألعاب الأطفال ونثرها مع أشلائهم في العراء ولون أجسادهم بلون النيل لشدّة البرد القارس بعيداً كل البعد عن الدفء المكتوب بعقودكم وحقوقكم وميثاقكم ومحافلكم، وإن تحدّثتم عن حق التعليم والمدارس فأنتم من هدم هذه المدارس وأصبحت مراكز إيواء، وإن قلتم عن حق الإنسان في التنقّل، فبحربكم أغلقتم في وجهنا السفارات، علّقتم أحلامنا على شوادر الخيم التي تمزّقت مع كل عاصفة تهبّ إلى أجزاء، طارت أحلامنا بمهبّ الريح، نامت ذكرياتنا في العراء، اختنقت أصواتنا مع غصّة القهر في طوابير الذلّ أينما حللنا، لا تتحدّثوا عن حقوقنا في محافلكم، فالسوري لم ينل من حقوقه حتى في حفنة التراب لقبره، فدفن في العراء وبات لقمة شهيّة للوحوش!

العدد 1104 - 24/4/2024