سبيل لموتٍ جماعي

غزل حسين المصطفى:

في ثلاثاءٍ مضى، وقُبيل فاجعتنا الكبرى هذه، في (ثقافي) أبو رمانة، وعلى مدار ساعة بل يزيد، كان ذلك الخبير الاقتصادي والأستاذ الجامعي يحكي عن الأزمات في ذلك الحين والحلول الأنجع للخروج ممّا نحن عليه وبأقلِّ الخسائر.
لم أتردد، وقفت وقلت بصوتٍ عالٍ: بوصفي مواطنة عادية قد لا أفقه في الاقتصاد ولا في السوق وقوانينه، ولكن منطقياً كلامك مقنع، وحلولك مرضية للطرفين، وقد تكون هي سفينة نوح التي بها نوعد.
لماذا لا تُطبّق هذه الحلول؟ ولماذا يخرج علينا المسؤول يشكو قلّة الحيلة وشحّ البدائل؟ أين الحلقة المفقودة بينكم؟

صمت لبرهة مُطأطئاً رأسه، ثم استدرك الوضع بقهقهةٍ مرّةٍ شعر الجميع بها وقال: (الحق عليكم أيها الإعلاميون)!

كنت مُدركة تماماً أن لا جواب لديه، فهو مثلي لا حول له ولا قوة.
شهور عدّة قد مضت على ذلك اليوم الشتوي، وها نحن اليوم انتقلنا من مواجهة القرش إلى دوامةٍ بحريةٍ كبرى، قد تبتلعنا…. قريباً.

هي السهام ونصال السيوف مُسلّطة علينا من كل حدبٍ وصوب، وحتى يكتمل مشهد العذاب معنا، اتقدت النار من تحتنا وتكلّلت عجافنا التي نعيش بفقدان الدواء!

تحمّلنا كلّ شيءٍ فتك بنا، انقطعت الأنفاس وبقينا ندَّعي الصمود والمقاومة.
تشبّثنا، حتّى بالأهداب بهذا الوطن، وعند كل مطبٍّ كنّا نقول هي النهاية لفرجٍ قريب، أما اليوم فلا أفظع ممّا نحن عليه.
نُحارَبُ بلقمة العيش، بالنفَس، بالهواء، ونحن نقاوم.
أما الدواء! فالأمر تخطّى حدود المنطق.

تحولت صفحات الفضاء الأزرق (فيسبوك) إلى صور متفرقة من علبِ دواءٍ يستغيث أصحابها بواحدة مطابقة.. مشابهة.. أيّ شيء.

هبّ الناس للناس، وفُتحت أبواب التبادل والتبرّع، ولكن ماذا عن المفقود؟ ماذا عن الأسبوع القادم؟

قالت تلك الأم في أحد مراكز بيع التبغ: (أعطيني أغلى نوع دخان… ابني شب عم يموت قدّامي.. دواه مفقود، على الأقل يموت وهو مبسوط ومو مشتهي شي، إلاّ جرعة أنسولين!).

أعتقد أن هذا المشهد ودون ذكر تفاصيله الدقيقة وصوت الأم وردّة فعل من سمع، كفيلٌ ببتر كل شرايين القلب قهراً وحزناً.
هذه الأم التي لم تقف عند عدد الأصفار التي تكبر بجانب العدد، كل همّها أن تسقي شباب بُنيّها قُبيل أن يذبل ويموت!
نقول سنوات طويلة من الحرب، قانون قيصر، معامل، مواد…
كل ذلك ليس مبرراً لما حصل، فكل شيء حصل فجأة وبجنونٍ هستيري وقبيل قيصر، فليس هناك مكانٌ للتبرير.

هل وحده الشعب مريض وبحاجةٍ إلى الدواء!؟ المسؤول في هذا البلد ألا يمرض؟ ألا تحتاج عائلته دواء للغدة أو القلب أو السرطان؟

ألا ينقص أحد أفراده الأنسولين؟

أم أن ما ذُكر سابقاً يُوفّر لهم بديهياً!

صدقاً، الكارثة أكبر من الوصف والتنظير، كل المشكلة أننا صمدنا منذ البداية، أكان يلزم علينا أن نُصارع القذائف لنكون نحن ضحاياها؟

أم كان يجب أن نتقشّف في الدواء ونمشي على مبدأ (يلي ألو عمر ما بتقتلو شدة) ونرمي بالطب جانباً!؟

إلى أصحاب القرار والسمو والسيادة: ضاقت بنا سبل العيش معكم، ألا سبيل لموتٍ جماعيٍ أسرع ممّا نعيشه اليوم!؟

العدد 1104 - 24/4/2024