هل سنعود إلى الطب البديل ورحمة العرّافين والمشعوذين

وعد حسون نصر:

لعلّه حال البلد اليوم، فالدواء بات مفقوداً وخاصة أدوية المسنين ممّن يُعانون من أمراض مزمنة كالضغط والسكري والقلب والغدة… الخ. الدواء بات مفقوداً، وإن وجد فبسعر باهظ وتحت رحمة المستفيدين، فهل سنعود إلى الطب البديل وإلى رحمة العرافين والمشعوذين لنخرج شيطان المرض منّا؟

هذا الصمت القاتل عن فقدان الدواء سيجعلنا نفقد أحبتنا، فهل نبكي الدهر لأجل حبة دواء؟ هل مكافأة صمودنا هي الحرمان والتقنين والغلاء وتحمّل العقوبات وحدنا؟  ألم تكن أمريكا تهددنا منذ أكثر من سنتين بقانون قيصر؟ فلماذا الآن فُقِدَتْ كل مقومات الحياة من السوق؟ لماذا ودائماً تكون شريحة المُسنين والأطفال هي المُستهدفة، وهي من عليها الصمود وتحمّل فقدان الدواء والغذاء؟ لماذا سنبقى نحن المطالبين بالصمود فقط؟! ألم يكفِ صمود سنوات عجاف من الحرب والقهر والحرمان والتهجير والتشرّد والتشوّه الجسدي والفكري والنفسي، والآن حرماننا من الدواء؟ هل المعامل لم تعد ترغب بالإنتاج وفقدت المواد الأولية، أم أن سعر الصرف فرض تسعيرة جديدة وبالتالي لا يمكن أن تبلغ تكلفة علبة الدواء مئة ليرة وتباع بخمسين أو خمس وعشرين ليرة؟ لذلك من الطبيعي أن يعزف البعض من المعامل عن الإنتاج، وكذلك البعض من الصيادلة عن بيع الدواء، وهنا لا بدّ من تدخل الدولة والعمل على التعاون مع معامل الدواء الخاصة والعامة والمساهمة في استيراد المواد الأولية على حساب الدولة، وبالتالي الاهتمام بتأمين المقومات الأساسية وأهمها الكهرباء عصب الحياة والداعم الرئيسي لاستمرار دوران عجلة الصناعة، كذلك تأمين الإنترنت لتتمكّن المعامل من إطلاق منتجها وتعريف الأسواق به وخاصة أن العالم اليوم يعتمد على التسوق عن بعد. الدواء خط أحمر وتأمينه للمرضى واجب وطني وقومي وإنساني بالدرجة الأولى، فعلى الجميع التعاون (قطاع الإنتاج والدولة والصيدلاني) لتأمين سلامة حياة المريض.

وفي استطلاع للرأي بين الصيدليات، تقول إحداهن إن المستودعات توقفت عن توزيع بعض الأدوية بسبب ارتفاع تكلفتها من قبل المعامل، وبالتالي المستودع والموزع غير مضطر للبيع بخسارة، من هنا توقفت بعض الأدوية. صيدلاني آخر كان قد أكّد هذه الأسباب، ولكنه أضاف إن بعض الناس بمجرد إشاعة فقدان أنواع معيّنة من الدواء اتجهت للصيدليات وبدأت تأخذ أكثر من حاجتها، وهذا ما يحرم الآخرين من تأمين علاجهم ودوائهم. صيدلاني آخر ألقى باللوم على الحكومة في تسعير الدواء، فمن غير المنطقي التفاوت الكبير في سعر الصرف بين المركزي والسوق السوداء من حيث سعر استيراد المواد الأولية، ومازالت الدولة تُحدّد سعر علبة الدواء على سعر صرف المركزي، وهذا سبب مباشر لتوقف المعامل عن الإنتاج، وبالتالي توقف المستودعات عن التوزيع، مع العلم أننا كنّا من الدول التي تُصدّر إلى أكثر من 53 دولة دواء سوري المنشأ.

طبعاً من خلال الحوار مع بعض الأشخاص العاديين لاحظنا أن نظرة الشخص المريض تختلف كلياً عن نظرة الصيدلاني أو نظرة المستودع أو الموزع، فأزمة الدواء من وجهة نظر المريض سببها المباشر هو الصيدلاني، لأنه يحتكر الدواء ليبيعه بسعر أعلى، وبالتالي دائماً العبارة الشائعة على فم المريض: الدواء في الأمس كان بسعر واليوم بسعر أعلى رغم أنه مفقود وهذا احتكار. لا نلوم المريض فهو بحاجة ماسّة للدواء وخاصة إذا كان بشكل مستمر مثل السكري والقلب والضغط وما شابه، لكن كذلك لا يمكن أن يكون اللوم فقط على الصيدلاني، أليست الحكومة هي المسؤول المباشر عن هذا العجز هي وأصحاب المعامل المنتجة للدواء؟ ألا يمكن أن تُقام مناقصات يشرف عليها أشخاص مشهود لهم بالنزاهة لنتمكّن من استيراد المواد الأولية التي تدخل في تركيب الدواء، ولنتمكّن من كبح فساد المستغلين؟ طبعاً أمر مهم للغاية في مجال الدواء وحياة الناس وخاصةً المسنين والأطفال أن نبعد الفاسدين المتلاعبين بحياتنا، فالروح غالية ولا يبخل أيُّ أحد منّا أمام إنقاذ والديه أو طفله أو حتى ذاته، فإذا تعاون الجميع وفي رأس القائمة الحكومة، نستطيع أن نقف في وجه شبح الموت ونبعده عن أحبتنا، فالدواء خط أحمر وحياة أهلنا هي أمانتنا، فمن ليس لديه كبير فليشترِ كبيراً، لأنه الخير والبركة، وكلنا في الآخر نمضي بالعمر وبحاجة إلى من يقف معنا، فلنقف جميعنا مع كبارنا لأننا من أعينهم نرى مستقبلنا، ولا نريد أن يكون مستقبلنا بيد فاسدين يستغلون رغبتنا بالحياة.

العدد 1104 - 24/4/2024