هل ما زال الزواج حقّاً أساسيّاً ومُقدّساً!؟

إيمان أحمد ونوس:

منذ بدأت الحياة على وجه المعمورة، قامت على أساس التزاوج بين الأحياء الموجودة فيها كلٌّ حسب طبيعته وجنسه، ما ساهم في استمرار الحياة حتى يومنا هذا. وقد أظهرت موسوعة تاريخ الزواج العالمية، أن الزواج منذ العهود البدائية كان مطلباً أساسياً مثلما هو أيضاً حق أساسي لكلا الجنسين، باعتباره يحافظ على بقاء الجنس البشري واستمراريته.

لكن، مع تطور الحياة والمجتمعات، خضع مفهوم الزواج لتغيّرات مُتعدّدة قامت على أساس تطور العلاقات الاجتماعية والاقتصادية وسواها على مدى العصور التاريخية. فمثلاً كان الزواج عند العرب في العصور الجاهلية قائماً على قيم وعادات ومفاهيم قبلية تُحدّدها الأعراف السائدة، كالمهر مثلاً الذي يُعتبر ركناً أساسياً في إتمام عقد الزواج، ويتمثّل بالنوق والجمال والأغنام وما شابهها، كما كانت القبيلة مسؤولة مباشرة عن الشباب الذين هم في عمر يؤهلّهم للزواج ومتطلباته الأساسية.

ومع تطور العلاقات الاقتصادية تحوّل هذا المهر إلى قيمة نقدية تُحدَّد تبعاً لقيمة النقد المتداول من جهة، وتبعاً لما يُحدّده رجال الدين من جهة أخرى. لكن وللأسف صار هذا المهر قيمة يُتباهى بها كما تغالي فيه الفتاة وأهلها، وأحياناً الشّاب وأهله، لاسيما في الزواج القائم على مصالح اقتصادية ومادية بين الأسرتين. كما كان الزواج ضرورة اجتماعية واقتصادية في عمر مُبكر لكلا الجنسين باعتباره حاجة نفسية- غريزية من جهة، وحفاظاً على القيم الأخلاقية من الانحدار بنظر الأهل من جهة أخرى.

وقد نصّت دساتير الدول على تشجيع الزواج ومساعدة الشباب المُقبلين عليه حفاظاً على الأسرة باعتبارها النواة الأساسية للمجتمع، وكل تطور إيجابي لها ينعكس على المجتمع برمته. لكن، إذا ما تلمّسنا واقع الشباب السوري منذ ما قبل الحرب الحالية وحتى اليوم، نجد أنه واقع مأساوي بالنسبة لمستقبله الذي يُشكّل الزواج ركناً أساسياً من أركانه، وذلك بسبب البطالة المقيمة أبداً، وغلاء الأسعار الخرافي لكل مستلزمات الحياة الإنسانية، إضافة إلى طغيان المظاهر السلبية التي تؤطّر تفكير بعض الفتيات أو الأهل من حيث المغالاة في المهور والمطالب الأخرى (مسكن، ملبس، ذهب… الخ). فمن الغريب والمُذهل حقيقة تشبّث كثير من الفتيات بتقاليد ومظاهر لا تتناسب مُطلقاً والوضع الذي يُعانيه غالبية السوريين، لاسيما فئة الشباب منهم في زمن يُفترض أن تكون الفتيات عوناً وسنداً لشريك المستقبل بدل أن تكون عائقاً ومُقيّداً لحقوقهما وأحلامهما في الزواج وتأسيس أسرة، خاصة أن الجميع يعلم بتدنّي نسب الشباب/ الذكور في المجتمع بسبب تبعات الحرب، وبالتالي ارتفاع نسبة الإناث بشكل فرض على الفتيات خيارات محدودة ومُحدّدة، يُفترض أن تدفعهن لقبول الواقع كما هو، بل والمشاركة الحقيقية والمساندة العملية للشباب من خلال التخلّي عن كثير من المظاهر والتقاليد البالية التي لا ترى في الفتاة سوى سلعة تُباع وتُشرى في سوق الزواج، بدل أن يبقين مُعلّقات في حبال الانتظار المديد لفرصة قد لا تأتي، وبالتالي تفقدهن أجمل ما في الحياة (الأمومة) وترفع نسب العنوسة المُرتفعة أساساً بين الجنسين معاً وإن كانت غالبة لدى الإناث.

إن هذا الواقع المأساوي قد دفع باتجاه الزواج العرفي من فتيات صغيرات وفقيرات، أو باتجاه العلاقات المحفوفة بالمخاطر (المساكنة) وما ينتج عنها من آثار كارثية تطول الجميع بلا استثناء، ممّا يؤدي إلى تخلخل القيم الأخلاقية والاجتماعية، وسيادة اللامبالاة لدى الجنسين، يُضاف إليها انسحاب الدولة من مسؤولياتها بخصوص الزواج عبر برامج وتسهيلات يُفترَض أن تُقدَّم للشباب (مسكن، عمل، … الخ) حسبما نص الدستور.

لا شكّ أن كل ما تقدّم يمثل عوائق مُجحفة ومرعبة في طريق زواج الشباب تؤدي أو أدّت بالأحرى إلى ارتفاع نسب العنوسة لدى الجنسين، مثلما أدّت إلى عزوف الغالبية عنه والاكتفاء بما يراه البعض مناسباً في علاقته بالجنس الآخر. وهذا الواقع لابدّ أن يلقى الاهتمام من المعنيين الأساسيين في الحكومة بتطبيق الدستور وتسهيل متطلّبات الشباب البسيطة كالعمل والمسكن بأسعار مقبولة، كما تتطلّب من الأهل مراعاة ظروف أولئك الشباب أثناء عقد الزواج بالتخفيف من المتطلّبات غير الضرورية، وإبقاء المهر في حدوده الدنيا رغم أنه لا يُقدّم ولا يؤخّر في حفظ حقوق المرأة.

العدد 1104 - 24/4/2024