صداق الصادق

مرح محمد نبيل السمكري:

يقول الشّاب: كل فتاة تطلب مهراً وذهباً هي فتاة جائعة للمال، وتقدّم نفسها وجسدها مقابل بضعة غرامات من الذهب وكثير من النقود!

وتقول الفتاة: هذا حقٌّ فرضه الشرع والقانون لي ليحفظ حقّي، فبأيّ منطق تنفي هذا الحق؟!

ومازال هذا الحديث يدور ويتحوّل إلى شجار في كل فرصة، خاصّة مع ارتفاع الأسعار وصعوبة ادخار النقود، لكن هذه الأسباب نفسها هي ما تزيد وجوب مطالبة الفتاة بمهرها!!

لماذا المهر؟

يُطلق على المهر في لغة الشرع مُسمّى (الصداق) المأخوذة من كلمة الصدق، أي أن هذا المال المدفوع للفتاة يُحدّد صدق الشاب في طلبه للزواج، فمن السهل جداً أن يأتي شخص مجهول على أنه خاطب ويتزوج الفتاة من غير مهر، وبعد بضعة أسابيع يرميها من دون أيّة حسابات، في خطّة ذكية لممارسة الدعارة تحت إطار شرعي يضمن له عدم ملاحقته من القانون، لكن عندما يُفرض عليه الصداق سيحسب ألف حساب قبل رمي فتاة بريئة.

إن الفتاة التي تطلب مهراً ليست بحاجة إلى النقود ولا الذهب، خاصّة إذا كانت تعيش حياة كريمة منعمة في بيت والدها، ولكن يكون ذلك بسبب احتمالية الطلاق، فيجب على الرجل تأمين الفتاة التي عاشت معه حتى بعد طلاقها، وصونها. أمّا الفتاة التي تقول: لا أريد مهراً ولا ذهباً، أنا أريد رجلاً أبني معه حياتي، فعليها أن تتذكّر أنه ما من زواج تمّ بنيّة الطلاق لاحقاً، وكل عروسين كانا يحلمان أن يقضيا حياتهما معاً، وعليها أن تضع هذه الاحتمالية.

أمّا إذا عدنا إلى الرجل الذي يقضي ساعات على صفحات (الفيس بوك) يعارض ويشتم كل فتاة تطالب بمهرها، وينعتها بأنها تُباع مقابل المال، فلو استغللت وقتك هذا بالعمل وتطوير النفس لكان أفضل لك من النحيب وشكوى القلّة على مواقع التواصل الاجتماعي، وبإمكانك أيضاً أن تطلب للزواج فتاة تساويك في وضعك المادي، وتقبل بظروفك ولا تشعر بأنك ظلمتها، أمّا إذا كنت غير قادر حتى على دفع المهر القليل فأودّ أن أسألك: كيف ستتحمّل مسؤولية زوجتك؟ كيف ستكون قادراً على الإنفاق على منزلك؟ كيف ستربي أبناءك؟ عندما يحتاج ابنك حليباً أو دواءً أو حتى حفاضات هل ستقول له: (لو انك شبعان وابن أصل ما كنت بتطلب)؟! فالحياة الزوجية ليست بضع كلمات معسولة وبعض الرومنسية، ولا تسير على مبدأ (الله بيدبّرها)، بل هي أكبر مشروع يقوم به الإنسان في حياته.

لكن ما سبق لا يعني أن تطلب الفتاة مهراً خيالياً، أو تطلب عشرات الملايين، وكيلو غراماً من الذهب، فذلك أصبح إجحافاً وتعسيراً لا يُقبل في مثل هذه البلاد، إنما تطلب الشيء المنطقي الذي يلائمها ويلائم وضع الشّاب المتقدّم.

نهاية أقول للفتيات، لقد أكرمكنّ الله وأعزّكن، وحفظ القانون حقوقكن، فلا تستغنين عنها مقابل الرهان على المشاعر!

أما لمن يفكّر مثل ذلك الرجل فأقول: مثلما تجد أنه يحق لك أن تطلبها بيضاء، طويلة القامة، منحوتة الخصر، وكحيلة العيون، ومثقفة وغنيّة، ويُعتمد عليها في الأزمات، فمن حقها أيضاً أن تطلب وتضع لك شروطاً.

العدد 1104 - 24/4/2024