امتحان الموظفين

مرح محمد نبيل السمكري:

فرصة العمل الذهبية التي يحلم بها كل إنسان هي العمل عن بعد (من المنزل). تخيّل رفاهية أن تستلقي على سريرك وتُنجز أعمالك، وأنت ترتدي ثياب النوم المفضّلة لديك، وتحتسي شرابك المُحبّب، وربما تجلس في زاويتك المفضلة من المنزل، وتستمع لأغنيتك المفضلة أثناء العمل.

كان هذا النعيم يقتصر على مهن قليلة مثل المُصممين والمُمنتجين والكتّاب والصحفيين، إلاّ أن فيروس كورونا أتى فقلب كل الموازين، وجعل كل الموظفين يمارسون أعمالهم من المنزل، وبضمن ذلك المديرون والمحاسبون والتجّار وموظفو خدمة الزبائن …الخ، وكان لهذه التجربة إيجابيات وسلبيات، فمثلاً كان جميع الموظفين يعانون من عدم كفاية الراتب إلى نهاية الشهر بالرغم من عدم شرائهم أي شيء يذكر، لكن بعد أسلوب العمل الجديد تبيّن أن قدراً لا يُستهان به من الراتب كان يُصرف على شيئين فقط هما (المواصلات، والطعام). ففي دوامك الطويل لابدّ أن تشتري وجبة طعام بسعر مقبول، لكن في نهاية الشهر عند جمع ما أنفقته على الوجبات ستكتشف أنك أنفقت أكثر من نصف راتبك، أمّا المواصلات فتتكفّل بربع الراتب تقريباً، وإن كنت تملك سيارة فمصاريف الوقود أكبر وأكبر، لكن بعد تجربة العمل من المنزل أصبح الراتب يكفيك الشهر كاملاً ويبقى منه نسبة كبيرة ربما، وتكتشف أنك كنت تعمل لتجلب نقوداً تذهب بها إلى العمل.

وحتى أصحاب الشركات وأرباب العمل التمسوا توفيراً اقتصادياً كبيراً من خلال توفير مصاريف الكهرباء والمولّدات والتعويضات ومخصّصات الموظفين.

أضف إلى ذلك فوائد بيئية كبيرة، ليس فقط في سورية، وإنما في العالم أجمع، فتخيّل أن سكان الكرة الأرضية جميعهم لا يستخدمون وسائل النقل، ولا يركبون سياراتهم، ولا يجلسون في المقاهي لتناول السجائر والقهوة والشاي! الدراسات الأخيرة حول البيئة كانت مثيرة للعجب، فقد تراجعت نسبة التلوث في نيويورك بنسبة 50%، وتحسنت جودة الهواء ونقاؤه في 337 دولة بنسبة 11.4% وذلك مقارنة بالفترة نفسها من العام المنصرم، وهكذا تكون البيئة قد أثبتت لنا أننا سبب دمارها. فضلاً عن توفير الوقت والجهد الذي يضيع في الطرقات للذهاب إلى العمل، وعن المحافظة على الطعام الصحي بعيداً عن الوجبات السريعة التي كنا نتناولها في أعمالنا.

إلى هنا تبدو الحياة وردية في ظلّ العمل من المنزل، لكن الواقع أن للقضية سلبيات مهمة، من أبرزها عدم وجود تجهيزات العمل الكافية في المنزل مثل الكهرباء، فكل الشركات تقتني مولّدات كهربائية تضمن لك بقاء شحن الحاسوب الشخصي، إنما لا تحتوي أغلب البيوت على مولّدات، فتعمل لساعتين تقريباً وبعدها ينتهي شحن الحاسب، فتجلس متأمّلاً جمال الجدران والأسقف، خصوصاً أن ثمّة أعمالاً يستحيل أن تُنجز سوى على الحاسب.

والسلبية الثانية عدم قدرة الإنترنت المنزلي على تلبية حاجة العمل، وعدم كفايته خصوصاً بعد نظام باقات الإنترنت في سورية، أمّا السلبية الأخرى والأخطر فهي عدم التزام الموظف بالدوام، وذلك لعدم وجود رادع مراقبة الإدارة لهم، فمنهم من يتابع مسلسله المفضّل في وقت الدوام الرسمي، ومنهم من يقوم لتعزيل المنزل، أو أخذ قيلولة سريعة تتراوح من ساعتين إلى ثلاث ساعات، أو قضاء بعض الوقت مع الجيران لشرب فنجان قهوة، أو إجراء مكالمة هاتفية نسائية تتراوح مدّتها من ساعة إلى ساعتين، كل هذا وغيره يؤدي إلى انخفاض كفاءة العمل وعدم خروج الواجبات بالجودة المطلوبة، لكن بعض المديرين استطاعوا تجاوز هذا التهاون من الموظفين بالحزم الشديد والمراقبة والتواصل الدائم مع أعضاء الفريق للحصول على أكبر كفاءة ممكنة.

تعتبر هذه التجربة امتحاناً حقيقياً لحسّ المسؤولية عند الموظف، وللإرادة والاستمرارية والالتزام، فقد تركت الموظفين بلا مراقبة، فإمّا أن تهوي بهم لامبالاتهم، أو أن يرفعهم شعورهم بالمسؤولية الوظيفية إلى مستوى أعلى.

العدد 1102 - 03/4/2024