نراهن على الشعبين الصيني والروسي في كبح جماح التوحش الرأسمالي

 محمد علي شعبان:

دخل العالم مرحلة جديدة بعد انتشار وباء فايروس كورونا، وكشف زيف الرأسمالية وادعاءاتها وخطابها الإنساني المضلل وأفعالها المتوحشة، بثوبها المتجدد، الذي صُمِّم على مقاس الليبرالية الجديدة، بطرازات مختلفة، صنعته الشركات العابرة للقارات، بألوان متعددة، في محاولة منها للسيطرة على المجتمعات البشرية في العالم، ذلك أن أفعالها المتراكمة، طيلة عدة عقود من الزمن، كانت أشد خطورة من الفيروسات وأثارها الخطرة التي تشغلنا الآن.

لكن السؤال: ماذا بعد فيروس كورونا؟

ولماذا ظهر في هذه المرحلة، رغم كل ما قيل عنه سابقاً أنه قادم لا محالة؟ ولماذا أهملت الدول المتقدمة خطر قدومه؟

وهل نحن أمام ولادة لنظام عالمي جديد، أو أن النظام العالمي يعيد ترمم ذاته، بتعددية قطبية جديدة، تلغي هيمنة الإدارة الأمريكية وتغولها على العالم، أو أننا على أبواب تقاسم نفوذ حسب معادلات القوة، على ضوء المتغيرات الجديدة التي حصلت في العالم، بشكل عام، وفي قارة آسيا بشكل خاص؟

إن انكشاف الدور القذر للدول الرأسمالية، وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية وحليفتها بريطانيا، بعد أن تخلوا عن حليفتهم إيطاليا وتركوها تواجه مصيرها، رغم كل الاتفاقات الموقعة داخل الاتحاد الأوربي، وحلف الناتو، بعدما تعرضت للوباء بفايروس كورونا، فقد اتضح خذلانها والتخلي عنها من قبل دول الاتحاد الأوربي، وحلف الناتو، المنشغلين بحصار الدول والشعوب بغية تجويعها وإخضاعها.

وفي ظل انشغالهم بفرض العقوبات على الشعوب الفقيرة، تتقدم الصين، وروسيا الاتحادية، لمساعدة جميع الدول المنكوبة بمساعدات مادية، وطبية، ومعنوية وتقنية ومنها بعض دول الناتو، التي وافقت وطبقت الحصار والعقوبات على العديد من الدول المعاقبة، إرضاء للإدارة الأمريكية وحلفائها أو تجنباً لغضبها.

هذا السلوك يؤكد بما لا يدع مجالاً للشك، أن القيم الإنسانية التي تدّعيها، الدول الرسمالية عبر إعلامها الرسمي، هي تضليل وتستّر على وحشيتها، ذلك أن سلوكها الفعلي يعاكس أقوالها.

فهي تقول كلاماً جميلاً، وتمارس القبح والوحشية.

لكن الصين، وروسيا الاتحادية، سلكتا طريقاً آخر متميزاً عن الدول الرأسمالية الغربية. لقد عبّرا من خلاله، عن العمق الإنساني المتراكم عند شعوبهما وحكوماتهما، للجنس البشري دون تمييز، ودون ادعاء أو تصدير إعلامي لفعلهم النبيل.

لقد أثبتوا للعالم أن العمق الحضاري، والبعد الإنساني، هو الضامن الحقيقي للبشرية لتعيش بأمان، وليس التقدم التقني الذي يوظف أحياناً لدمار البشرية.

إن اندفاعهم السريع لإنقاذ ايطاليا ومساعدتها، حمل رسالة للعالم تقول وتؤكد ضرورة التمييز بين النظام الرأسمالي المتوحش، والنظام السائد في الصين أو في روسيا الاتحادية، وكل ما نخشاه أن تكون الرأسمالية المتوحشة، قد كونت قاعدة بيانات لها في تلك الدولتين، عبر بعض الشركات الغربية التي تعمل هناك.

إن الصين، وروسيا الاتحادية تشكلان حالة ضبط، وتمنعان تغول الدول الرأسمالية الغربية على مقدرات شعوب الدول الفقيرة.

فهل سنكون أمام تحول حقيقي لخلق نظام عالمي جديد، تكون الصين، وروسيا الاتحادية أهم أركانه الأساسية؟ اللتان سيحجّمان وحشية الرأسمالية العالمية، ويؤسسان لحقبة جديدة تقصقص فيها أظافر وحوش الرأسمالية، وتخلق نظاماً جديداً متعدد الأقطاب أكثر عدلاً وأكثر إنسانية، تنتفي فيه الحروب، ويسود السلام. أو أن هناك في الخفاء أشياء، ليس بمقدورنا معرفتها؟!

أتمنى أن تتحقق أحلامنا، بنظام عالمي جديد، يكون أكثر عدلاً وتتحقق فيه المساواة بين البشر، إلا أنني لست متفائلاً، ولا أدعو للتفاؤل، ما دام النظام الحاكم في العالم اليوم هو نظام رأسمالي متوحش، يفرض على البشرية أخلاقياته وقيمه، التي يشرعن فيها الاعتداء على من يشاء، دون أية اعتبارات للقانون الدولي منذ ثلاثين عاماً.

إن هذا النظام الذي تشكل بعد تفكيك الاتحاد السوفيتي، يعيث فساداً وإفساداً في العالم، وتقوده مجموعة من الشركات العابرة للقارات، تضع يدها على مقدرات الشعوب، بطرق متعددة، سواءً بشكل مباشر، أو غير مباشر. وتتحكم بجميع قطاعات الإنتاج، وتحدد كيفية توزيع أرباحها على المنتجين، وتبقى حصة الأسد بين يديها، تستخدمها، كسلاح من أجل ابتزاز الشعوب الفقيرة، وجعلها تابعة، تعمل لمصلحة وحوش المال حفاظاً على البقاء.

لذلك أقول: لست متفائلاً ما دام الصراع بين الرأسماليات، من أجل السيطرة والتحكم بمقدرات الشعوب، وكأننا نقول: غن الوحش الأسود يقتل الوحش الأبيض، لكن قانون حماية المزارع التي تنتج الوحوش، مازالت تتمتع بكل الصلاحيات والحصانة، وحقوق الوحوش لا يمسها ضيم، ولا تتعرض لخطر.

لقد سيطرت الرأسمالية على، أدوات الانتاج، ووسائله، وأصبحت المتحكم الأول بالمال، والثروات الباطنية، ومراكز الأبحاث، والاستيراد والتصدير، والأسواق المحلية، والعالمية، وأقامت شركات طرفية تابعة لها بجميع أنحاء العالم، لتتمكن من السيطرة على جميع أدوات ووسائل الإنتاج في العالم. ومازالت تسعى للتحكم والسيطرة على أي شيء يمكنها ان تتحكم به بما فيه الأوكسجين الموجود في الهواء.

لقد سيطرت على التعليم، وصنعت مؤسسات تعليمية خاصة بها، وأنتجت كوادر تعليمية لخدمتها، تتميز بولائها المطلق لرأس المال، الذي يتحكم بطريقة عيشها، وسبل تفكيرها، رغم أن هذه الكوادر، قد تكون منحدرة من الطبقات الوسطى، أو من الطبقات الفقيرة، وهذا لا يغير في الأمر شيئاً، ما دام الحاضر أقوى من الماضي، والإنسان انعكاس للواقع، الذي تتحكم فيه وسائل إعلامية، وظيفتها تقديم نمط الحياة الرأسمالية بأفضل صورة، كي تكون جذابة ومغرية، تعمي بصيرة المحرومين، وتحولهم من كائنات مفيدة لطبقاتهم الاجتماعية، إلى كائنات ضارة في بنيتهم الطبقية والاجتماعية التي انحدروا منها.

كما عملت على تصنيع وسائل إعلام، متطورة وحديثة، بفضل التطور التقني والمعلوماتي، تؤهلها لصناعة المستقبل كما تريده، بعد أن امتلكت التحكم والسيطرة على طريقة تفكير الأجيال الناشئة، وفرضت عليهم لغتها التقنية والمعرفية. ومارست التضليل والكذب بمساعدة هذه الأجيال التي سلختها عن بنيتها، وحولتها أدوات لها، تحارب بهم الفقراء في العالم.

وبما أننا نعترف بوضوح أن الرأسمالية المتوحشة، المتمثلة بالشركات العابرة للحدود، انتشرت في جميع أنحاء العالم، فهل بقيت الصين، أو روسيا الاتحادية عصية على الاختراق؟

أعتقد أن معركة الشعوب الحقيقية، التي يراهن عليها، هي بين الشعوب الفقيرة من جهة، ووحوش المال من جهة ثانية، إذ لا يمكن الرهان على صراع شركات الرأسمال فيما بينها. لأن التاريخ علّمنا أن الشعوب الفقيرة ستدفع فاتورة الصراع بين الأقوياء.

نعم، نراهن على الشعب الصيني، والشعب الروسي، وجميع الشعوب التي عاشت تحلم بالمساواة والعدالة بين الشعوب، التي كرستها الثقافة الاشتراكية، لمدة عقود في القرن الماضي.

إن الشعوب التي عاشت تحلم بتطبيق العدالة الاجتماعية في جميع دول العالم، دون تمييز عرقي، أو طائفي أو ديني، هي وحدها من يراهن على دورها في تغيير النظام العالمي، الذي يشكل بوضعه الحالي خطورة على البشرية.

كلنا يعرف أن شعوب الاتحاد السوفيتي سابقاً، كانت تدفع من جهدها ومن مالها للشعوب الفقيرة، ولحركات التحرر بالعالم، دون انتظار لمكاسب أو منافع من الفقراء. إن جامعات دول الاتحاد السوفيتي السابق كانت تستقبل الطلاب، والبعثات التعليمية من معظم دول العالم، دون مقابل.

لذلك نراهن على هذه الشعوب المحبة للفقراء في العالم دون تمييز. وهي على العكس تماماً من شعوب وأنظمة الدول الرأسمالية، التي تستغل الشعوب الأخرى، وتسيطر على مقدراتها.

العدد 1104 - 24/4/2024