نأمل عالماً أكثر تصالحاً وأكثر سلامة

حسام محمد غزيل:

ترافق تطور الإنسان والحضارة الإنسانية مع زيادة الوعي بأساليب الحفاظ على النظافة والصحة، فنجد مثلاً حضارتنا العربية في أوج ازدهارها تُباهي العالم ليس فقط باتساعها وتنوع العلم فيها، بل بالنظافة وعدد الحمامات المنتشرة فيها والبيمارستانات التي ترعى ذلك وتهتم وبالطرقات والأسواق وغيرها، بل هناك من أفرد كتباً للحديث عن ذلك، وهذا الأمر والوعي رغم تفاوته بمنطق الحضارة وتقدم بعض الأمم وتراجع البعض ظلّ مقياساً حقيقياً يشهد لكل حضارة من الحضارات بمقدار ما أضافته إلى التطور البشري من وعي وإدراك للإنسان وللبيئة المحيطة به.

في العصر الحديث رعت معظم دول العالم الصحة، وأولتها اهتمامها، فعمدت لبناء القطاع الصحي وتطويره بشكل دائم وأصبح يُنظر إلى الدول الأكثر تحضّراً بأنها التي تمتلك نظاماً بيئياً وصحياً أكثر تطوراً، وأصبحت هناك دول تتمتّع باقتصاد قوي نتيجة للرعاية الصحية التي تقدمها والتي نستطيع أن نطلق عليها السياحة الصحية. وفي بلدنا حافظت الدولة على اهتمامها ورعايتها للصحة وإتاحة ذلك لجميع أفراد الشعب، فما زالت المشافي الحكومية تستقبل الجميع رغم محدودية قدراتها والعمل الدوري على تطويرها إلى جانب المشافي والعيادات الخاصة، وتخصص الدولة جزءاً من ميزانيتها لذلك.

واستكمالاً لكل ما ذكرت ونتيجة الوعي التراكمي للإنسانية نشأت جهات ومنظمات عدّة للاهتمام بصحة الكوكب والإنسان تعمل بشكل دائم لتطوير أساليبها والتوعية بشتى الوسائل لإيجاد صيغة عمل مشترك بين جميع دول العالم للتنسيق بما يضمن الصحة والتعامل مع الأخطار التي يمكن لها أن تُهدّد البشرية وتتابع مستجدات الوقاية وأساليب تطوير المناعة والحدّ من انتشار هذه الأوبئة والمشكلات البيئية التي يتعرّض لها الكوكب ككل. من هنا كان نشوء منظمة الصحة العالمية ركيزة ومعياراً يولي أهميته الأولى لدراسة ما فيه صحة الإنسان خصوصاً وصحة الكوكب عموماً.

نحن اليوم أمام جهات ومنظمات عالمية تسعى لتحقيق شروط السلامة والحفاظ على الصحة تنشر برامجها بشكل دوري وتعمل على التأكّد من تطبيقها والعمل عليها في جميع أنحاء العالم، وحكومات تولي الصحة اهتمامها وتسعى لتطوير نظامها الصحي والتوعوي. لكن، هل كان كل ذلك كافياً في ظلّ ما نعايشه من أزمات ومستجدات؟ يأتي الجواب: لا ليس كافياً، الدول والشركات العالمية التي تعمل وفق مصالحها ورغبتها بتحقيق الربح بأيّة طريقة ممكنة لن يكون ما تقوم به كافياً لحمايتها ورعاية مصالحها، ففي الوقت الذي تُهدّد الآخرين بقوّتها وتحاول فرض سيطرتها على العالم لن تكون هي بمعزل عن المتغيّرات التي تحصل كما هو حاصل الآن.

اليوم لابدّ أن يدرك الجميع أن النجاة لا يمكن أن تكون إلاّ بنجاتنا جميعاً، الصحة في هذه المرحلة والمراحل القادمة توازي الاهتمام بالتّسابق للتسلّح وتطوير الصناعة والتكنولوجيا، بل تتقدم عليها بالأولوية. وهذا ما نتمناه بعد تجاوز هذه المحنة بأن تأخذ الرعاية الصحية والبيئية مكانها الحقيقي وأن نحيا ضمن كوكب مُعافى يضمن السلامة للجميع.

منظمة الصحة العالمية اليوم أثبتت رغم عدم قدرتها على المعالجة الفورية للمشكلة الحالية، أثبتت مرجعيتها الوقائية ودورها التوعوي الذي تقدّمت به بمصداقية على كثير من الحكومات والدول، هذا الذي نتمنى في قادم الأيام أن يحظى باهتمام ودعم أكبر لجهودها المبذولة.. في يوم الصحة العالمي أتمنى مُجدّداً عالماً أكثر تصالحاً وأكثر سلامة.

العدد 1105 - 01/5/2024