وباء الجشع يخيِّم على اليوم العالمي للصِّحة

إيناس ونوس:

ينتشر ذوو الرِّداء الأبيض ملائكةً في جميع أنحاء الأرض، حاملين البهجة والأمل بعلاج الأمراض المستشرية، والوعد باستعادة التَّاج الذي فقده كلُّ مريض، حتى بات همُّهم همَّاً عالمياً، تراهم يتنقَّلون هنا وهناك خدمةً للإنسانية، وفاءً لكلمات أبقراط التي أمست قسماً يؤدُّونه حفاظاً على نبل هذه المهنة الإنسانية وعظمتها.

وتقديراً من الأمم المتَّحدة أُعلن السَّابع من نيسان من كل عام يوماً عالمياً للصِّحة، يتمُّ فيه الكشف عن كل ما هو جديد في مجال محاربة الألم والأوبئة والأمراض التي تفتك ببني البشر، والتَّوجُّه للعاملين في المجال الطِّبي على مستوى العالم برمَّته، والانحناء لكل جهودهم المبذولة وتقديم الشُّكر ولو بكلماتٍ بسيطةٍ لا تقارن بما يقومون به كلَّ يوم، غير أن هذا العام لم يكن بالإمكان الاحتفال أو تقديم أي شيءٍ يُذكر، فالوباء الذي يجتاح الكوكب بجهاته الأربعة، أخذ كلَّ الجهود والطَّاقات حتى أنهك البشرية جمعاء، وفعل ما لم تتمكن أعتى الحروب من فعله، فتبعثرت منظَّمة الصِّحة العالمية بين هنا وهناك، محاولةً إنقاذ ما يمكن إنقاذه، متحفِّزةً على مدار السَّاعة لإيجاد علاجٍ أو لقاح يُنهي هذه المأساة الحقيقية، تُبَثُّ التَّحذيرات والتَّنبيهات في كلِّ حدبٍ وصوب، في محاولةٍ للتَّخفيف قدر الإمكان من آثار انتشار وباء (كورونا) بالتَّعاون مع وزارات الصِّحة في كلِّ بلدٍ على حدة، وقد استنفرت كلٌّ منها كامل طواقمها لمتابعة الواقع اليومي ومحاولة محاربته من خلال نشر التَّوعية وطرق الوقاية وآليات التَّصدِّي والتَّعامل مع هذا الكائن المتناهي في الصِّغر والأقدر على قتل الآلاف.

ولم تكن وزارة الصِّحة السُّورية بعيدةً عمَّا يجري، فبالرَّغم من قلَّة حيلتها في بلدٍ لمَّا يخرج بعد من الحرب الشَّعواء التي قضت على الأخضر واليابس، وجَّهت الوزارة طواقهما بضرورة الجاهزية الكاملة على مدار السَّاعة، وقدَّمت كل التَّسهيلات للمواطنين للتَّواصل معها، والعمل على محاولة الحدِّ من انتشار هذا الخطر بطرقٍ شتَّى، أهمَّها استنفار الكوادر الطِّبية التي لا يمكن تعويضها بأي شكلٍ ممكن، هذا الأمر الذي يُعدُّ نقصاً وتقصيراً من جانب كل الجهات المعنيَّة بحقِّ هؤلاء الأشخاص الذين يحاربون كجنودٍ مجهولين واقفين على خط النَّار الأول، منسيين من قبل الجميع، فقرار الحكومة بتعويض الكوادر العاملة فقط بمجال العلاج والوقاية من (كورونا) يُعتبر تقصيراً وإجحافاً بحقِّ جميع العاملين في الحقل الطِّبي الذين لم يكلُّوا ولم يهدؤوا في كل الأوقات، سواء في ظلِّ حرب التِّسع سنوات أو اليوم، أليسوا مُعايشين للوضع بكلِّ تجلياته وتبعاته؟ أوليسوا هم المعنيين أولاً بالاهتمام والمكافأة والتَّقدير؟ فلماذا يقع الظُّلم عليهم أضعافاً مضاعفة؟ ولماذا يتمُّ العمل على التَّفريق فيما بينهم، بين عاملٍ ضدّ الوباء وعاملٍ بغيره؟ فهم جميعهم في الدَّائرة نفسها، والوضع الذي يعيشون فيه ليس سهلاً، يكفيهم أنَّهم يقعون بين نارين، نار رؤسائهم والمسؤولين عنهم الذين يسارعون لمعاقبتهم إن قصَّروا أو تكاسلوا رغماً عنهم، ونار المريض الذي يرجوهم ليعيش، ويحمِّلهم مسؤولية نقص الأدوية النَّاجم عن العقوبات المفروضة على البلاد من قبل الدُّول الكبرى التي تحارب الإنسان بأبسط حقوقه، ألا وهو الدَّواء والغذاء، وها هي الولايات المتَّحدة الأمريكية اليوم تلوِّح بالانسحاب من منظَّمة الصِّحة العالمية باختلاق المبرِّرات غير المنطقية، التي تصبُّ في الختام بمصلحتها وحدها دون الأخذ بعين الاعتبار، وكما هي عادتها، مصالح الدُّول الأخرى، بما فيها تلك التي وقفت إلى صفِّها وساندتها في كل محاولات تجويع وقتل الشُّعوب الأخرى. أليس من الأفضل لو أن التَّعويض، على بساطته، عمَّ الجميع؟ فكلنا نعلم أن كلمة شكر صغيرة يمكن أن تحثَّ هذه الكوادر فتعطي بأعلى مستوى لديها، بينما أمام هذا التَّصرُّف غير المسؤول ستصبح المحسوبيات لها الأولوية، ما سينعكس على الأداء المطلوب، في وقتٍ جميعنا بأمسِّ الحاجة فيه للعمل الجماعي.

في هذا اليوم لا يمكننا إلاّ أن ننحني إجلالاً لكل العاملين في المجال الصِّحي أينما كانوا، فما قدَّموه من تضحياتٍ لا يكفيها يوم واحد، ونرجو أن يتمّ تفعيل العمل بقسم أبقراط على حقيقته وتطبيقه واقعاً، ليعمَّ الخير على كلِّ بقاع هذه الأرض التي باتت أقرب للدَّمار بسبب جشع الإنسان وطمع القلَّة في احتكار كل شيءٍ لهم وحدهم، على حساب أعدادٍ هائلةٍ لا تملك الحيلة في الدِّفاع عن ذاتها وبقائها، لعلَّ الفائدة تصلنا جميعنا دون استثناء.

العدد 1104 - 24/4/2024