جزء من الحياة مفقود

ماري مرشد:

تعالت الأصوات في يوم مُمطر وبارد في عائلة أبو شاهين بين أبو شاهين وأم شاهين، فقد نفد الغاز منذ مدة واستحال تأمين جرة الغاز، ومع هذا الجو الماطر انقطعت وتعطّلت الكهرباء وأصبح من الصعب جداً تحضير الطعام الذي تلزمه الحرارة حتماً.

‌جلست أم شاهين باردة اليدين لا تقوى على حمل نفسها، تحتار ماذا تفعل وكيف ستُطعم أطفالها الجائعين، وكيف ستدبّر الحال مع هذا الوضع الجديد المرهون بوضع البطاقة الذكية، والمُحدّد لسير عملها والمدّة التي تسمح وتُخصّص لجلب المحروقات أو غيرها من الأمور التي تؤمّن احتياجات العائلة ومتطلباتها الأساسية والبسيطة على حدّ سواء، فإصدار هذه الميزة الجديدة جعل هناك مساحة للتنظيم والتخلّص من العشوائية في الصرف، ومن جانب آخر كانت له مشاكل في التعامل، فهناك كثيرون من كبار السن لا يستطيعون استعمال الموبايل أو حتى القراءة لمعرفة موعد استلام حوائجهم، فجاءت هذه الميزة بشكل غريب لم يكن الكثير مهيّأً أو متقبّلاً لها أو يراها مناسبةً، فهذا القرار الصادر قد حدَّ من التعاملات بين الناس وقلّل فرص المشاكل التي كانت تحدث دائماً كون هذا الشيء الذي أخذ حيّزاً كبيراً لاستدراكه.

‌هذا ما كان من ضمن الخطط التي تُسيّرها الدولة وترتّبها ليسود مبدأ التنظيم، وربما الحماية أيضاً في قراراتها، على سبيل المثال قرار حزام الأمان الذي كان يغفله السائقون ولا يدركون أهمية وضعه، جاء القانون لحماية السائق ومن معه لتفادي الحوادث والانتباه أكثر مترافقاً مع وضع غرامة على كل مخالف، لكي يصبح من البديهي وضعه عند الركوب في الحافلة أيّاً كانت.

‌يلزم هذه القوانين الصادرة شيء مهم جداً ينطوي تحت مفهوم الوعي الاجتماعي الذي تنادي به الدولة بشكل مستمر لإكمال العملية بشكلها الصحيح والمرجو تنفيذها.

‌وهنا من المهم جداً تكوين الوعي الاجتماعي الأساسي لتطبيق هذه القوانين وعدم الاستهتار بها باعتبارها شيئاً يمكن اختراقه أو تغييره ذاتياً، لأنه مهما كان قاسياً وغير مقبول لابدَّ في النهاية أن يتمّ الالتزام به بما يضمن لكل فرد تحقيق المساواة والتماشي مع الواقع المحيط وإلا سيجد نفسه خارج إطار الدائرة الطبيعية، التي هي أساس البقاء ضمن الجماعة ومواكبة التطوير الذي تدعو له كل أمة لأفرداها.

‌ونقف هنا عند الكثير من المعايير التي تتحكّم بالفرد لتوصله إلى نقطة العمل ضمن إطار محدد من المعايير الاجتماعية والطبيعية التي تساهم في بناء نهج ومسرى يريح كل الجهات الموجودة تحت دائرة الوطن.

‌وما من حياة تكون خالية من المشاكل التي من شأنها أن تضعف وتجعل الفرد يميل ليحقق مسرى خارجاً عن المألوف، لأن الإنسان بطبعه يجد أنه لا يستطيع الالتزام الكامل، بل يعاني كثيراً في ظلّ محاولته إيجاد نقاط مشتركة للحياة يصل فيها للرضا والقدرة على التأقلم وإكمال حياته بوجود كل تلك القوانين المفروضة، وهناك الكثير من الاختلافات بين البشر، فمنهم من لا يجد مشاكل في التعاطي والتطبيق ليصلوا إلى مرحلة التصالح مع أنفسهم ومع الحياة.

العدد 1104 - 24/4/2024