أمسينا أخيراً متساوين، فهل نبقى؟؟

إيناس ونوس:

لكلِّ حدثٍ في هذه الحياة وجهان، وجهٌ إيجابيٌّ والآخر سلبي، وما يحدث اليوم في حصار فيروس كورونا للعالم برمَّته، وبلدنا ضمناً، يثبت ذلك. إن السَّلبيات معروفةٌ للجميع ولا داعي لتكرار رصدها أو عدِّها، إنما ما يمكننا الحديث عنه هنا هو بعضٌ من إيجابيات ما يحدث، فبالرَّغم من المأساة الاجتماعية التي يعانيها بنو البشر المعتادين على التَّواصل الحميمي بأشكاله المختلفة، إلَّا أن الحجر المنزلي الذي نعيشه يعيد لنا بعضاً من الوقت لنعيد ترتيب أوراق حياتنا وعلاقاتنا ومشاريعنا، يعطينا المجال لنتصالح _ إن أردنا _ مع ذواتنا ومع غيرنا من المحيطين بنا، لاسيما إن استطعنا التَّعامل مع الوقت بالشَّكل المطلوب بدلاً من أن تمرَّ التَّجربة مرور الكرام على مبدأ المثل الشعبي (تيتي تيتي، متل ما رحتي متل ما جيتي!).

إحدى أهم إيجابيات الوضع المأساوي الحالي من وجهة نظري، أن القانون بدأ يأخذ مكانه الصَّحيح في مجتمعنا، فما تقوم به الحكومة من إجراءاتٍ احترازية، تم فرضها بالقانون، جاء تلبيةً وحرصاً على الصَّالح العام، ولأوَّل مرَّةٍ نعيش هذه الحالة، فما لم تتمكَّن سنوات الحرب من فعله، استطاع هذا الفيروس الصَّغير القيام به، ففُرض حظر التِّجوال المسائي، وتمَّ تقطيع أوصال البلاد عن بعضها بغية عدم انتشاره، وتقوم السُّلطات المعنيَّة بمتابعة الأمور وملاحقة المخالفين.

كم هو رائعٌ أن يسود القانون فيجعل من الجميع سواسية! لا فرق بين غنيٍ أو فقير، بين دينٍ وآخر، بين مدعومٍ ومهمَّش! كم ناضلنا لنصل إلى هذه النَّتيجة، غير أننا لم نتخيَّل ولم نكن قطعاً راغبين بالوصول إليها بهذا الشَّكل، وبهذه الطَّريقة، لكن أن تصل متأخِّراً خيرٌ من ألَّا تصل أبداً، فهل نكون جميعنا قد استفدنا من الدَّرس القاسي الذي نعيشه اليوم؟

هل سيبقى القانون هو السَّائد فيما بعد زوال الخطر؟

هل سيصبح منهجاً يعمَّم على مختلف جوانب ومناحي حياتنا كما أردنا؟

هل سنخرج كأفرادٍ محترمين للقانون لا خائفين منه؟ أم أننا سنعود لطبيعتنا و(تكبير الرأس) ونخالف لإدراكنا أن أحداً غير مهتمِّ ولن يسأل؟

هل سيطبَّق القانون حقيقةً على الجميع دون تفرقة؟ أم أنه سيعود لا يحمي المغفَّلين ولا المهمَّشين ممَّن لا ظهور لهم؟

رغبتنا حقيقةً، أن نخرج من هذه الأزمة الكارثية – إن خرجنا منها بسلام – أكثر إيماناً بالمجموع لا بالفرد، أكثر قدرةً على تجسيد القانون ليكون معياراً لحياتنا ومنهجاً لممارساتنا بكامل القناعة وليس انطلاقاً من الخوف، وأن تفعِّل الجهات المعنية وبكلِّ جديةٍ وجوده واقعاً وليس على الورق فقط، بأن تمارسه حقيقةً بدلاً من أن تلجأ إليه حين يكون متناسباً مع رغبات المتنفِّذين وأصحاب القرار أو مصالحهم.

فجميع دول العالم التي وصلت إلى مراحل من الرُّقي والتَّطور نحلم بها، لم تصل إلاّ حين فعَّلت دور القانون وطبَّقته على الجميع بلا استثناء، فحمت حقوق الكبير والصَّغير، المرأة والطِّفل والرَّجل، العامل والعاطل عن العمل، المريض والمعافى … إلخ من شرائح مجتمعاتها، وكذلك أفراد تلك المجتمعات احترموا القانون وتعاملوا معه انطلاقاً من مبدأ أنَّه المنصف لهم، ومن ثقتهم بأنَّه يطبَّق عليهم جميعاً.

جلُّ ما نأمله فيما لو خرجنا متعافين من انتشار الفيروس، أن نكون قد اكتسبنا انتشاراً للقانون يصون لنا كمواطنين حقوقنا، لنكمل مهمَّته ونقوم بما علينا من واجبات، فمن يأخذ لا بدَّ له أن يعطي.

العدد 1102 - 03/4/2024