لو كنتُ بابا نويل!

غزل حسين المصطفى:

بعد جلسة مسائية لم نستطع فيها إلاّ أن نستمع إلى أحاديثه المُضحكة، فخالي أيمن يُعتبر من أكثر الشخصيات التي تبرع في قصّ الفكاهات والقصص، همست لي أمي: (الله يعطينا خير هالضحك!).
ربّاه! بات الضحك في هذه البلاد مصيبة أو ربما من المحظورات، نظرتُ إلى وجه والدي وللمرّة الأولى أدركت فعلياً معنى قول السيدة فيروز (بوِّس لي عينيه، هو ومفتحهن…) نعم وددتُ أن أُقبّل تلك العين التي اشتقتُ لبريق الضحك فيها، كنت أراقب كل التفاصيل في هذه السهرة الدافئة من غير كهرباء، فقطعت صفونا عودة التيار الكهربائي وصوت مذيع النشرة الاقتصادية يتحدث عن أسعار العملات، في غضون ثوانٍ انقلبت الأجواء وتغيّرت سيماؤنا، وتمحور الحديث حول الغلاء وظروف المعيشة والأزمات المُفتعلة عند نهاية كل عام في خضم أزمتنا الكبرى.
وهنا حطّت بي رحال التفكير والتمعّن في أدقِّ التفاصيل التي كانت تدور حولي، وانسحبت نحو سريري، كانت رغبتي كبيرة في أن أقوم بتصفية حساباتي مع مجموعة كبيرة من الأفكار وأغلق عليها السجل قُبيل بداية العام.
ما إن وصلت إلى السرير حتى لسعتني برودته، وحملتني الأفكار فوراً نحو الأجساد العارية في بلادي والقلوب الراجفة في صقيعٍ بدأ يفرد مُعدّاته في جزيئات الهواء.
إلى متى سنبقى نتمحور حول المواضيع ذاتها في كل قضيةٍ نطرحها ( غاز، كهرباء، ماء، مستلزمات المعيشة)!؟
إلى متى سأجلس في كل عام كبقية أفراد الشعب نقوم بعملية جرد للأمنيات والأحلام وحتى الخيبات، ونستقبل عامنا الجديد أو حتى صباحاتنا القادمة بمئات القوائم المكتظّة!
هذه الأسئلة وأشباهها كانت تحاول أن تقضم أعصابي، ولكن ماذا يمكنني أن أفعل؟! والسؤال في نهاية هذا العام:
(ماذا لو كنت بابا نويل؟!)
_هل كنت سأرتدي ذلك الرداء الأحمر وأجوب بغزلاني أرجاء وطني وحتى البلاد الأخرى أحقق الأماني؟!
_ لو كنت بابا نويل لسرقت زينة الشوارع وزيّنت بها تلك البيوت المظلمة!
_لو كنت بابا نويل لخلعت من الناس أجهزتهم الإلكترونية وتركتهم يحتفلون كما كانوا سابقاً من غير(سيلفي) ولا أضواء فلاش الكاميرا في كل لحظة وكل مكان، فننسى أن نعيش اللحظة.
_لو كنت بابا نويل لأخفيت كل صور الطاولات العامرة بأفخم الأصناف، وأسدلت الستائر عن الواجهات الشفافة للمطاعم عن أنظار جائع!
_لو كنت بابا نويل لفتحت ذراعي للجميع أحتضن كل مستضعف، ستشحنه تلك اللحظات من الدفء العاطفي ليعود إلى معركته من جديد!
_لو كنت بابا نويل قد أذبح غزلاني البريئة وأطعم أفواهاً تتوق لرائحة الدسم!
_لو كنت بابا نويل هل كنت سأستطيع وحدي تغيير وجه العالم ما لم نتخلَّ عن كل البغضاء والأنانية والنمطية التي باتت تحكمنا، ربما لن نحتاج بعدها إلى بابا نويل إلاّ ليكون مُكمّلاً لطقوس الأعياد!
وهنا انقطعت الأفكار والتفكير، فالنوم كان الحكم وأغلق جفوني ورفع السجل بعيداً عني.

العدد 1104 - 24/4/2024