مازلنا نحمل قنديلنا ونبحث عن مبادئنا

إيمان أحمد ونوس: 

تمرُّ سنوات العمر اليوم بسرعة لم نعهدها ونحن في ريعان الشباب، رغم أننا كُنّا نسابق الزمن لنصل إلى ما نصبو إليه ونحلم بتحقيقه حينذاك.

وحينذاك حُمِّلنا وحَمَلنا قيماً ومفاهيم ومبادئ جعلتنا نرى الحياة والناس من منظار الأخلاق الإنسانية التي دفعتنا للتعامل مع محيطنا وحياتنا بإيجابية شبه مُطلقة، كي نرى المجتمع الذي نحلم به، مجتمعاً مثالياً بعموم أفراده وقادته من الساسة أو المثقفين والمفكرين والأدباء وووو الخ. وبدأنا حينذاك نرسم أحلامنا بشعارات كانت وما زالت رغم كل النتائج والخيبات نهج حياة وميثاق عمل لا نحيد عنه مهما اعترضنا من أزمات ومشاكل واختبارات، وحتى إخفاقات غير متوقّعة كُنّا نحاول جاهدين تخطّيها بأقلّ الخسائر أو الهزائم، لنُعيد ترميم ما اكتشفنا أنه خاطئ في لحظة ما. ولأجل أن تكون لنا بوصلة دقيقة تتماهى مع أهدافنا ورؤانا في الحياة، انتسبنا لأحزاب وجدنا فيها ضالتنا الفكرية والثقافية وحتى الأخلاقية بمختلف اتجاهاتها وتسمياتها، وبدأنا نغُذّ السير بإصرار وعزيمة لا تلين، يُغذّيها أمل دائم بالوصول إلى مجتمع العدالة والمساواة بين الجميع.

اليوم، بعد مرور عقود وعقود على أحلامنا وآمالنا تلك، وبعد أن حفر الزمن تجاعيده في النفس مثلما خطّها في الجسد والوجه واليدين اللتين صارتا ترتعشان وهما ترسمان وتكتبان خواطر وهواجس عن عمر مضى ولم نصل بعدُ إلى مبتغانا… بعد كل هذا، نقف اليوم لنجد أننا عُدنا القهقرى لنبحث مُجدّداً عن مبادئنا وأحلامنا وشعاراتنا التي رسمناها بخطوط من ثقة وعزيمة حقيقية، لكنها تلاشت منّا في زحمة التطور والانتصارات الواهية والوهمية المُخيّبة لكل التوقعات والآمال، بفارق أننا بحثنا عنها حينذاك والدفء والفرح والأمل كان يغمرنا ويجعلنا مبهورين بكل إنجاز نحقّقه، ولم نكن نعرف للخوف طعماً أبداً، بينما اليوم وبعد كل ما جرى، وبعد كل الخيبات والهزائم والانكسارات، سواء على المستوى الشخصي أو العام، ما زلنا نبحث عنها لكن برد الخوف والخيبة والحذر ينخر طاقاتنا ويُشتتها باتجاهات تفقد خلالها مسارها المرغوب والمطلوب.

اليوم، نواجه الحياة ومُتغيّراتها بحسرة تجُزُّ عُنُقَ مبادئنا على عتبة زمن المال والسطوة النابعة من أخلاقيات لم نعهدها، ولم نضعها سابقاً في حساباتنا كي نستأصلها حين تُصادفنا، فقط لأنها حينذاك كانت إن وُجِدّت عند البعض تُعتبر شّاذّة ينفر الجميع منها بلا استثناء، ويُشير إليها بالبنان كي يتنبّه لها من لا يراها.. وما يقهرنا اليوم أنها ذاتها باتت أخلاقيات سائدة ونحن الاستثناء المرفوض في زمن التّزلّف والتملّق والانتهازية بكل معانيها وتسمياتها واتجاهاتها.

اليوم ورغم قناعاتنا بأننا كمن يبحث عن إبرة في بيدر من قش، نحمل قنديلنا في وضح النهار بحثاً عن مبادئنا التي تاهت عنّا في غفلة قاتلة، يحدونا أمل بأنه لا يصحُّ إلاّ الصحيح، وما نراه اليوم ما هو إلاّ فقاعات تطفو فجأة لتنطفئ بأسرع ممّا طفت، فما يجري ليس نهاية التاريخ، وإنما بداية لتاريخ أجمل تخطه إرادة الشعوب الطامحة دوماً للعدالة والمساواة والأمان، فقط لأننا محكومون بالأمل، كما قال الراحل سعد الله ونوس.

العدد 1104 - 24/4/2024