كي لا ننسى | صالح العيسمي.. جندي مجهول في مسيرة الحزب المعرفية

يونس صالح:

صالح العيسمي، ابن بلدة امتان من محافظة السويداء، وابن العائلة الشعبية هناك، الذي اضطرته ظروف الحياة القاسية التي عاشتها منطقته وعائلته، أن يلتحق، بعد أن يكمل دراسته الثانوية في القرية، بأحد المعاهد التعليمية، التي كانت تعد معلمين للمرحلة الابتدائية.

لم يستطع هذا الشاب الطموح والمليء بحب المعرفة أن يكمل دراسته في الجامعة، إذ كان مضطراً للانخراط في العمل، كي يستطيع مساعدة أسرته التي كانت تعاني من العوز، شأنها شأن الكثير من الأسر السورية.

ولقد كرس هذا الشاب حياته اللاحقة لخدمة الهدف الذي كان يملأ كيانه، وهو رؤية أطفال شعبه غير محرومين من حقهم الأولي في التعليم، وبذل في هذا المجال كل ما يمكن أن يبذله لينقل المعارف الأولية إلى أطفال المدارس التي وضعته الظروف كي يقوم بواجبه التعليمي فيها.

ولد هذا الشاب عام 1949 في بلدة امتان من جبل العرب كما ذكرنا، وقد دفعته مشاهداته في القرية للواقع الاجتماعي السائد، ولاحقاً من خلال مهنته كمعلم، للتفكير العميق في أسباب الفقر والعوز والتخلف لأكثرية شرائح واسعة من الشعب، وأكثر ما أثاره هو واقع الأطفال الصعب، الذين كانت تنعكس من خلالهم ظروف الشعب القاسية، التي كانت تهزه من الأعماق.

لقد قاده الحراك الشعبي المصطخب في سورية آنذاك إلى التفتيش عن حلول لهذه المرارة التي يعيشها معظم أبناء الشعب السوري، ويجد نفسه تلقائياً في صفوف الحزب الشيوعي السوري، فانتسب إليه في ستينيات القرن الماضي، ومنذ ذلك الوقت وهب هذا الشاب حياته لخدمه مُثُل العدالة الاجتماعية والوطنية الحقة، والإخلاص الذي لا حد له لجماهير شعبه الكادحة.

كان هذا المناضل هو ذلك الجندي المجهول في الحزب، لم تكن تستهويه المراكز الحزبية، ولا الاستعراضات، ولا البروز، كان يؤدي دوره النضالي بتواضع، ودون ضجيج، لم يتأخر مطلقاً عن تنفيذ المهام المنوطة به، وكان تعامله مع الرفاق قلبياً، ومؤثراً، وحتى بعد استشهاده عام ،1979 وإلى الآن، لايزال يذكره كثيرون من أبناء بلدته ورفاقه وأصدقاءه، ويرفعون قبعاتهم احتراماً لذكراه العزيزة.

عاش حياته كشيوعي نزيه، محب للعمل ومخلص لمهنته في تعليم الأطفال التعليم الحقيقي، وكان تطلّعه للمعرفة كبيراً.

لم يبخل بالجهد في استخدام كل إمكانية متوفرة لديه لتوسيع مداركه العلمية والثقافية، كان يرى أن الثقافة تخلق الإنسان القادر بصورة أكثر فعالية لخدمة مجتمعه ووطنه، وسعى جاهداً أن ينقل حب المعرفة إلى جميع المحيطين به، من رفاقه وأصدقائه.

إن الانقطاع المفاجئ لحياة هذا المناضل، أثار الحزن والألم جماهير واسعة من أصدقائه ومعارفه، وكان وداعه الأخير مهيباً، ومعبراً عن الاحترام العميق لإنسانيته التي شملت جميع من عرفه.

ورغم قصر حياة هذا المناضل، إلا أنها كانت حافلة بالنضال من أجل غد أفضل للبلاد وللشعب، وإن ذكراه الطيبة يجب أن تبقى في ذاكرة من يحب وطنه ومستعد للتضحية من أجله بكل ما يملك من غال ونفيس.

 

 

العدد 1105 - 01/5/2024