غربـال اقتصادي

غزل حسين المصطفى:

وحدها أم الشهيد قد ترى العيد ضيفاً ثقيلاً غير مُرحّبٍ بقدومه، فضلعٌ من ضلوعها غُيّب وجهه في التراب، وقنديلها بلا فتيل. ليست وحدها، ولكن جرحها بالنسبة لي قد يكون الأعظم، وكذلك كل من فقد يخال في وجه العيد بؤساً دفيناً أو فرحة مُقتطعة لا داعي لأن يعيشها.

لكن ماذا نقول حين يمرّ بنا مواطنٌ يُمزّق أوراق روزنامته لعلّ العيد يتجاوز محطة الهبوط عنده.

يضمُّ صغيره إلى صدره ويبكي فرحته البريئة التي صُلبت أمام واقعٍ معيشي مُرّ!

كيف لملابسَ جديدة أن تزور تلك الخزائن التي تكاد لا تلتقط نفسها الأول بعد ليالٍ طويلة من الغرق بدلف الشتاء القاسي؟

كيف لموقدهم أن يُخالط رائحة الكعك والبخور وأسطوانة الغاز قد فارقته منذ زمنٍ، وكل الاتكال على بديلٍ كهربائي مُقنّنٌ استعماله بتقنين إلزامي؟

هي قروش، نعم، نعم، قروش معدودة يستمطرها المواطن لمدة ثلاثين يوماً وتتبخّر في اللحظات الأولى ليعود عدّاد الدّيون يُقلّب أرقامه دون شفقة!

هو غربال اقتصادي سيقاومه كلّ مُقتدرٍ بجيوب تَغُصُّ بالمال، أمّا جسد ذلك الفقير فسينساب من بين ثقوبه ويرتطم بالأرض دون سؤالٍ أو شفقة بحاله!

الموضوع ليس بحاجة إلى خطابات رنّانة ومزايدات علنية، نحن اليوم نثق كلَّ الثقة أن صورة الواقع واضحة للجميع لا تحتاج إلى رؤية محللٍ اقتصادي أو باحثٍ في شؤون المجتمع.

بعد عجافنا هذه التي قاومنا بها حتى الرمق الأخير، ومنّا من لم يستطع للصمود سبيلا..

أليس من المفترض أن نُغاث بماءٍ وفير دافق، لا بزُبُر الحديد فنهلك في عذابنا أكثر!؟

لو أن مشكلتنا بهلال العيد وأضحيته فقط لاختلف الأمر، ولكن المشانق كثيرة لا تبرح رقاب الشعب!؟

لم يعد لديَّ شيئاً لأضيفه، الحال واضح والمطالب مُفسّرة!

جفّت الأقلام ورُفِعَت الصحف.

العدد 1104 - 24/4/2024