التاجر يصيح.. والزبون يصرخ.. ولا من مجيب!
إيناس ونوس:
اقترب العيد وبدأت العروض والتنزيلات على مختلف الأصناف والمنتجات التي يبتغيها كل مواطن حسب حاجته ورغبته، وها هي ذي الأسواق تغص بالنَّاس الرَّاغبين بالشِّراء احتفالاً بالمناسبة.
إلاّ أن سؤال محلٍّ واحدٍ عن الأسعار يكفيك لتعدل عن رأيك وتعود إلى بيتك خاوي الوفاض من كلِّ ما حلمت ورغبت به، إلاّ من الخيبة، فهي الوحيدة التي ستعود معك رغماً عنك، حينما ترى ارتفاع الأسعار الجنوني وتوحيدها رغم كل عروض التَّنزيلات التي تصل إلى حدّ الـ70 والـ90 بالمئة. لأنك كموظفٍ راتبك لا يتجاوز الـ40 ألفاً لن تتمكّن إلاّ من تحقيق رغبة طفلٍ واحدٍ فقط من أطفالك، إذا ما تخيّلنا أنك استغنيت عن الرَّاتب كله ولم تضعه في قائمة حساباتك الشَّهرية المعتادة، ليكون العرض الأقوى الذي يُطرح عليك: (اشترِ لطفلٍ وانسَ كل التزاماتك)! واللافت للانتباه، أن التُّجار مُحدِّدي الأسعار وموحِّديها يشكون قلَّة المبيع، فحين كنت مع ابنتي في السُّوق سألت إحدى الموظَّفات عن حركة البيع والشِّراء فقالت لي: إنها معدومة، وكأن هذه الفترة لا علاقة لها بالعيد! مضيفةً إنهم يعيشون حالةً من الرُّكود لم تسبق. وحينما استفسرت منها لماذا لا يفكِّرون بتخفيض الأسعار ليتحرَّك السُّوق أجابتني: لا يمكننا أن نخسر أكثر من ذلك، فنحن نبيع بسعر التكلفة.
وما يزيد الأمر سوءاً، أن الفترة القادمة لا تتعلَّق بالعيد وحده، فالصَّغير قبل الكبير يدرك أن الشَّهر القادم يحمل معه الكثير من الأعباء المادية، سواء بما يتعلَّق ببداية العام الدِّراسي، أو بما يخصُّ الشِّتاء وتبعاته، وكما هو معروف فإن البضاعة في موسمها تعرض بأسعارٍ مضاعفة نتيجة الطَّلب المتزايد عليها، بحكم الحاجة إليها، فلنا أن نتخيَّل في ظلّ هذه الأسعار وعدم تدخل الحكومة في ضبطها كم تبلغ معاناة العائلات التي لديها أكثر من طفلٍ في المدرسة، أو لديها أطفال صغار أو مُسنّون بحاجةٍ إلى التَّدفئة في عزِّ البرد الذي بات يجتاح بلادنا أكثر من ذي قبل متزامناً مع قطعٍ متزايدٍ للكهرباء وانقطاعٍ للمواد الاستهلاكية الأخرى التي من الممكن استخدامها كبديلٍ عن المازوت، كالغاز مثلاً.
إن راتباً واحداً أو راتبين لن يكفيا لتغطية تلك المصاريف الضَّرورية أكثر من ضرورة متطلبات الأعياد وحدها، فما بالنا إن اجتمعت كل هذه التَّكاليف معاً؟!
وفوق كلِّ هذا، انتشرت في الأسبوع الماضي شائعةٌ عن زيادةٍ في الرَّواتب. امتعضنا منها كما في السَّنوات الأخيرة، لأنها كما جرت العادة ستساهم في رفع الأسعار، إلاّ أنها بقيت مجرَّد شائعة، لم تأخذ حيّزاً كبيراً من تفكير الناس، وكأن هناك من يقول لك:(إن عيّدت ولا عمرك ما تعيّد! إن جهزت للمدارس ولا لجهنّم الحمرا!).
أهناك عقابٌ أكثر من هذا؟ وعلى ماذا؟ على أننا بقينا في البلاد؟ أم لأننا حاولنا في سنوات الجمر وما زلنا نحاول اليوم العيش مُجدداً رغم كل الضُّغوط اليومية التي تدفعنا للموت بالإكراه!؟
حتى مجرّد التَّفكير بأصغر الأمور وأبسطها بات حلماً صعب المنال. بل تحوَّلت المناسبات بشتى أشكالها عبئاً وهمَّاً، فالمواطن الذي لا يعرف كيف يُدبِّر يومه صار القلق رفيقه إن جاءه ضيفٌ أو أصابه طارئ.
أهكذا تكافئ حكوماتنا السُّوريين الصَّامدين الذين دفعوا باهظاً وبما يفوق طاقة البشرية كلِّها ثمن سنواتٍ ثمانٍ لم يعشها إنسانٌ على وجه الأرض؟ أم أن على هذه الأرض ما يدعو للموت الدَّائم!؟
شكراً لحكوماتنا العتيدة على ما منحتنا إيّاه ولا تزال يوماً بعد يوم! شكراً لها على خيباتنا ونحن نقف عاجزين عن محاولة رسم الابتسامة على وجوه أطفالنا. شكراً لها على قهرنا حتى في المناسبات التي من المفترض أنها محاولةٌ للفرح المؤقَّت، بل شكراً لمحاولات إحباطنا اليومية لنُمسي غير قادرين على الوقوف مرَّةً أخرى!