اخْتَلِفْ معي لأَصْنَعَ ذاتي ولا توافقني فَتُلغيني

وعد حسون نصر: 

نعم، نحن لا نحتاج إلى المديح بقدر ما نحتاج إلى من يسلّط الضوء على هفواتنا لنكتـشف أين نضع قدمنا، وبعدها نُصحح وقوفنا السليم لنتمكّن من التوازن دونما أن نُسلّم أقدامنا للريح فنسقط.

لذا كم هو مهم وجود هؤلاء الأشخاص في حياتنا وإن كانوا خصوماً لنا، ومراقباً فعّالاً لتصرفاتنا وسلوكياتنا، ومتحدّثاً رسمياً عن أخطائنا وزلاّتنا انطلاقاً من مبدأ من يخالفك الرأي هو الشخص الذي يجعلك تقف على الصواب. لنكون على دراية وبكل موضوعية ليس من الضروري أن يكون هذا الشخص الخصم عدواً أو مبغضاً لنا بقدر ما يكون منافساً بعيداً عن حالات الحب والكراهية، ولعلّ تجربتنا في الحرب السورية خير دليل، فالانقسام الأرعن وغير الناضج الذي حصل بين السوريين لاختلاف الرأي أوضح كم نحن بحاجة إلى عقول ناضجة تعلم أهمية وجود الآخر لخلق توازن سليم، لذا ليس من الضروري وقوفنا جميعاً على رأي واحد وإلاّ أين التمييز المرجو بين الناس في المجتمع خاصةً وأن الحياة مزيج من الأضداد، وكذلك لا يمكن للروض أن يزهو بنوع واحد من الزهور، فلابدّ أن تتعانق الألوان لتُشكّل لوحة فنية رائعة، كذلك الاختلاف  مع الخصم هو التنوع الذي يجعل المجتمع سليماً وأكثر فعّالية وعطاء، ويجعلنا موجودين في الدنيا ولنا كيان لنعيش حالات من التنوع المجتمعي السليم.. هذه هي الحالة الضرورية والمهمة لمجتمع متعافٍ، وبالتالي لا ننسى أن الاختلاف حالة إيجابية تدفعنا أشخاصاً ومجتمع نحو الأمام لنتمكّن من الإبداع والتقدم والتطور، نكتشف ذاتنا بملاحظات الآخرين، وليمنحنا هذا التنوع الثقة بالنفس والنجاح والاهتمام بالتحصيل العلمي وبناء الشخصية القوية، بينما الوقوف على رأي واحد والمديح والثناء على كل سلوكيتنا وتصرفاتنا من قبل الآخر يتسبب بآثار سلبية، لعلّ أهمها  صعوبة التفاعل والتجاوب والعطاء في المجتمع، وفقدان الثقة بالذات، وتزايد الصراع بيننا كأفراد في المجتمع، وأيضاً قلّة التواصل والتضامن فيما بيننا، يُضاف إلى ذلك  تزايد القلق حيال الشعور بعدم الاحترام وغيرها من المشكلات. نخلص إلى القول إن اختلاف الرأي وبقاء الخصم هو الطريقة الوحيدة لبقائنا وعدم سقوطنا، ومدى تأثيرنا على المجتمع متوقف على مدى مساهمة الآخر في حياتنا، وتعزيز العمل الجاد والإبداع الذي نسهم به متوقف على التشجيع، على التفكير بوجهات النظر الأخرى، إذ يجب أن نضغط على أنفسنا كي نصنعها، ولنجعل من هذا التنوع والاختلاف والتخاصم مع الآخرين حافزاً مهماً سيُسهم في إحداث تغيُّرات في سلوكنا، وسيجعلنا أكثر قابلية للتطور والابتكار.

العدد 1104 - 24/4/2024