الآخر.. ذلك المشبوه!!

سامر منصور: 

الآخر الذي في شوارعنا: في بلاد يسود فيها الفقر والفساد والطبقية، يتدافع الناس في الحياة كما الثيران التي يتعقبها الخطر، فيدوس هذا ذاك ويقتنص هذا فرصة ذاك.. حتى تنعدم الثقة ويغلب سوء الظن ويحتقر الفرد الآخرين ويحذرهم ويحذر ذويه منهم.

واليوم في سورية وقد استشرى الجشع وكَثُر تُجّار الأزمة والمُتسلقون على دماء الشهداء من مسؤولين فاسدين يتشدّقون بحبِّ الوطن ليلاً نهار على الشاشات، وأصبح هناك تصور أن كثيراً ممّن في يدهم السلطة لا يسعون لحفظ حقوق الناس، بل هم حيتان مال أو أولياء حيتان المال، ممّا شجّع الإفساد وتكاثر من يبيع أخلاقه مُضطّراً ليُحصّل لقمة عيشه ويائساً من إصلاح الناس.

إن نجاة الفاسدين بمختلف أحجامهم وفئاتهم من قبضة القانون، والغلاء الفاحش، وضبابية مستقبل البلاد في ظلّ اللاّ حزم في التعاطي مع مصاصي دماء الشعب السوري الذي قدّم التضحيات الجسام حتى تخلّص من الذبّيحة الدواعش عسى يحظى ببارقة أمل وتتحسّن أوضاعه الاقتصادية.. كل هذا يجعلنا حذرين من الآخر، فالمسلحين الذين قاموا بتسوية أوضاعهم، والعفيشة والشبيحة المرتزقة ومافيات الخطف والسلب وجيل كامل من الأطفال المشرّدين الذين لم تُتَح لهم فرصة التعلّم أو العيش حياة سوية.. كل هؤلاء موجودون بيننا في الشارع السوري! ولذلك سيسود النفاق الاجتماعي الذي سيخلق الحقد المتراكم كون الناس مُضطّرين للتمثيل عوضاً عن التعامل بصدق.

إن ظنّ السوء بالآخر مشكلة، فهو يُضيّع علينا فرصة التعلّم منه أو الاحتكاك به بشكل إيجابي وبنّاء. وفي دولة كسورية تتنامى فيها الطبقية ليس هناك مكان للحوار الوطني الديمقراطي البنّاء، فسلطة أصحاب المال تتعاظم، وسيستطيعون جرّ حشود الجياع إلى صناديق الانتخاب التي يريدونها.. وكما يقول مصطفى المنفلوطي: (يأتي السياسي فيدبّر ويأتي التاجر فيقرر).

وإذا أردنا الحديث عن بلاد العرب عموماً نجدها بلاداً يتمُّ فيها التنميط ونشر حالة كورالية حيث تمتلئ العقول بالكليشيات الجاهزة ومعظم الناس إمّا مُجهَلون و(غلابة، دراويش) أو دمى محشوّة بالإيديولوجية السائدة في البلاد، دمى تُعاني من شوفينية عالية.. وتجد كثيراً من الناس بأسماء ووجوه مختلفة، لكن إن حاورتهم في مسائل تخص مصيرهم تراهم يجيبونك وكأنهم شخص واحد فيقولون مقولتهم الشهيرة: (لا تدخلنا بالسياسة).. أو يسردون لك كليشيهات أكل عليها الدهر وشرب. إن الحرية هي الأصل في الحياة وهي ما يسمح للإنسان بالتطور والتميّز، ويجعل الاحتكاك بالآخر يحقق قيمة مُضافة كون كل إنسان صاحب رحلة غير مُقيّدة للوصول إلى حيث لم يصل سواه.. إن الحرية شرط رئيسي في السيرورة ودونها لا سيرورة بل دوران في حلقات مُفرغة.. ونجد التاريخ يُعيد نفسه بأسوأ ما فيه.

الآخر.. ذلك الشيطان: منذ أن تفوّق الإنسان على المُفترِسَات في صراع البقاء، وأضحى يفترس الكثير من أشكال الحياة دون أن يفترسه شيء إلاّ في حوادث نادرة جداً.. أضحت هناك حاجة لبعث مخاوفه من قبل المؤدلجين والباحثين عن النفوذ، ومن هنا انقسمت الإنسانية على نفسها ورغم تبدد الجهل والخرافة، غير أن هذا الانقسام بقي رغم كل تقدم الوعي والمعارف التي تراكمت، فقد كرّسه المؤدلجون ليصبح العدو البشري مكان الغيلان والشياطين والوحوش والآلهة الشريرة في إثارة المخاوف، وكلنا سمع بحرب السنوات السبع بين بريطانيا وفرنسا حين تمّت شيطنة الآخر، وأصبحت دماء كل شعب مهدورة لدى الشعب الآخر، ثم عاد الفرنسيون والبريطانيون إلى استخدام أرق وأعذب المُسمّيات كلٌّ منهما تجاه الآخر حين تحالفا ضدّ ألمانيا.

فعلياً ليس المهم من هو الآخر الشيطان، المهم أن لا يبقى كرسي (العدو) شاغراً، واليوم تطور مفهوم العدو ليصبح غامضاً وغير مُعرّف، فقيادات الولايات المتحدة الأمريكية تقود شعبها لمحاربة (الإرهاب) وهي عباءة تُفصّلها على المقاس الذي تهواه وتُلبِسها لمن تشاء.. والمشكلة هي الضربات الاستباقية ضدّ الآخر، وهذا يعني اجتهاداً في شيطنة الآخر دون أن يرتكب حتى أيُّ فعل يمكن تأويله كفعلٍ شرير!!

العدد 1102 - 03/4/2024