على من نلقي اللوم!؟

ولاء العنيد:

مر على سورية، من مئات السنين، كثير من الأعراق والمذاهب والملل، وكانت على طول العقود محطة لرحال الآلاف من المهجرين ولم يقف بوجه العيش معهم وبينهم أي مانع أو مشاحنات قد تضر بعرق ما أو طائفة ولا حتى في معتقد، والكل كان يعيش ككتلة واحدة منصهرة في حب بلاد كانت لهم أرضاً ومنزلاً ووطناً. ولكن اليوم خلال سنوات الحرب السوداء التي مرت بها البلاد، بث الحاقدون الكثير من سمّهم المميت، في محاولة لزرع بذور الشقاق والخلاف والشك في صدور السوريين الذين قاوموا بكل قوة هذه البذور الفاسدة، ولكن وكما يحدث في كل حرب يحاول الجميع رمي خسائره على الطرف الآخر الذي يظن مجرد ظن أنه وراء سرقة أثاثه وتخريب أعماله ودمار منزله وفقدان أحبائه، وهذه الحالة إحدى الحالات التي تمر على الشارع السوري وهي تُظهر تماماً كيف دُمِّرت نفوس السوريين مع تدمير بيوتهم، وعم الخراب في تصرفاتهم كما حياتهم وباتوا جاهزين لرمي اتهاماتهم بعضهم على البعض الآخر، محمّلةً بأحزانهم على مصابهم.

ففي خلاف صغير على كرسي في باص عام، بين رجل عجوز وشاب في مقتبل العمر، تدل ملابس كل منهما على مسقط راسه إن كان من أهل المدينة أم أهل الريف، تظهر على السطح مع هذا الخلاف ما تخفيه النفوس في باطنها، وتبدأ حرب الاتهامات بالتخوين وعدم مراعاة مصاب أهل الريف الذين فقدوا منازلهم. ويتبين أن للشاب شقيقين فقدا حياتهما في سبيل رفع غبار الحرب. وانشغل بعد ذلك ركاب الباص في محاولة لإصلاح الخلاف بينهما والتخفيف من حدّته، في محاولة كلا الطرفين إثبات أهمية خسارته مقارنة بالطرف الآخر، وأن من فقد أكثر هو من ضحى بشكل أكبر في سبيل البلاد، وفي نظر كل منهما كان الآخر سبباً في تخريب البلاد. هذا لأن بلدته كانت في يوم من الأيام مرتعاً للعصابات المسلحة، وذاك الذي تقاعس عن الدفاع عنها دون محاولة أيٍّ منهما تقدير حزن الآخر، وبين هذا وذاك تبين أن كل فرد من ركاب الباص يخفي في داخله اتهاماً خفياً لطرف من أطراف الحرب ومن سار في ظلهم في فترات مختلفة.

حادثة بسيطة في باص أظهرت خبايا نفوس مازال سواد الحرب قابعاً في قلوبهم، سواد سيشوّه مستقبل بلاد تتجه نحو الإعمار ونفض رماد حرب سوداء، وسيؤخر عجلة سيرها نحو مستقبل أفضل، وستدفع البلاد ثمن فقدان أهلها الثقة بعضهم بالبعض الآخر. فضريبة عدم الثقة أكبر من الخسائر التي قد تنتج عن الثقة، فعدم الثقة ستجعلنا نستسلم من محاولة النهوض معاً. أما العوائد الايجابية للثقة فستكون في القوة الكبيرة التي ستنتج بالعمل معاً في سبيل نهضة هذا البلد، ليعود أهله كما كانوا في ثقة كاملة أنهم سيجدون من يمسك بيدهم طوال فترة الإعمار من جديد.

لهذا فإن علينا من اليوم رفع حالة الوعي عند الناس، بأن كل من عاش في هذه الحرب قدّم للبلاد وضحّى بدمائه وحجار دياره في سبيل عودة سورية كما كانت، قدّم الغالي والنفيس.

فدعونا نقتلع بذور التشكيك في ولاء كل منا لهذه البلاد. فما كان صمودنا إلا لأننا وقفنا معاً بعضنا بجانب البعض الآخر، في أقسى الأوقات في أكبر إثبات على التعايش السلمي بين كل السوريين رغم أنف الحاقدين والمخربين.

العدد 1104 - 24/4/2024