برؤى الشباب ترتقي الثقافة وتسمو الآداب

إيمان أحمد ونوس: 

يُعتبر الشباب في أيّ مجتمع الرقم الأهم والأساس في معادلة المواطنة والتنمية والإبداع على مختلف المستويات، بما يملكونه من مرونة الفكر والعقل القابل لتشرُّب كل جديد، إضافة إلى المحاولة الدائمة لابتكار أساليب وأنماط جديدة من حيث التعامل مع قضاياهم الخاصة أو قضايا المجتمع العامة.

فالشباب إذاً ثروة وطنية هامة هي أثمن من باقي الثروات الأخرى التي لا يمكن لها أن ترى النور أو ترتقي بالدول بعيداً عن استثمار طاقات الشباب الذين يشكّلون في المجتمعات العربية ما نسبته(60%) من مجموع السكان، وهذا ما يمنح تلك المجتمعات إمكانية التجدد والتطور والوصول إلى مستوى المجتمعات الراقية، إذا جرى تفعيل دور الشباب بشكل جاد وحقيقي، من خلال إشراكهم في عملية صنع القرار، واستغلال قدراتهم المتنوّعة في عملية التنمية المستدامة على مختلف المستويات والاتجاهات، وكذلك منحهم الثقة الأكيدة والراسخة بإمكاناتهم وأنفسهم، عبر تأمين احتياجاتهم كافة، وخلق الفضاء الملائم لهم نفسياً ومادياً(أفراداً ومجموعات) سواء على مستوى الأسرة أو على مستوى الدولة.

واليوم، بعد سنوات الحرب العجاف التي التهمت أعداداً كبيرة من الشباب، نجد أن بعض من بقي منهم يسعى، بروح تفاؤلية عالية، إلى رصد الواقع وآثار الحرب على المجتمع من خلال ما يطرحونه من رؤى ومشاريع ومبادرات اجتماعية وثقافية وفنية، نرى أنها ترتقي إلى مستوى الابداع فيما رصدت، وهي فقط تحتاج إلى الدعم المادي والمعنوي من الجهات المعنية والمسؤولة، بقدر ما تحتاج إلى اعتراف شيوخ الكار بها بدل عرقلتها وإعاقتها بذرائع لا تنتهي كالقيمة الفنية أو ما شابه تشبّثاً بذهنية لا ترى فيهم سوى جيل لا يملك ما يملكون، في الوقت الذي نتلمّس أن رؤاهم تحمل الكثير من التجديد والانطلاق من إسار الأفكار التي لم تعد مُجدية في زمن الحرب والثورة الرقمية المُنفتحة على كل الآفاق.

إن هذا التجاهل والتهميش والتغييب الذي يفرضه غالبية شيوخ الكار، بمناصرة الحكومات مُمثّلة بالمعنيين بالشأن الثقافي والفني، لا يمكنه بأيّ حال من الأحوال النهوض بالمجتمع والدولة من تحت ركام الحرب، ما لم يحلّق الشباب بأفكارهم وإبداعاتهم التي ترى الواقع بمنظور مختلف عن السائد والمُعتاد.. ولا يمكن الخروج من عنق الواقع المؤلم الذي وصل إلى درجة التقهقر والانحطاط في معظم مناحي الحياة التي ترتع في الفقر والبطالة والجهل الذي فرضته سياسات القبول في الجامعات الرسمية لصالح الجامعات الخاصة وأصحابها من ذوي السلطة والجاه، ما أدّى إلى ارتفاع نسب الأمية الأبجدية والمعرفية والعلمية، وسيادة مظاهر التديّن العقيم والتطرف والعنف، مقابل التصدي للفكر العلماني الذي يناهض كل تلك الأمراض التي يُعاني منها المجتمع عامة، والشباب خاصة، لا يمكن الخروج والتخلّص من كل هذا ما دامت قائمةً سياسةُ تحجيم حضور الشباب وفاعليتهم!

إن هذا الواقع المستمر منذ عقود وأجيال، إن بقي على حاله، سيُبقي الشباب تائهين في مهبّ رياح الخيبة والضياع والتشتت، والانجراف في تيارات العنف الحالية التي ذهبت بمقدرات البلاد والعباد، فتاهوا في مجاهل الحياة، وفقدوا الرغبة والقدرة على الانتماء حتى لم يبقَ أمامهم طريق آخر غير هجر أوطان ضيّعت أبناءها، فضاع وجودها بين الأمم.

العدد 1104 - 24/4/2024