الثقافة بحاجة إلى استعادة شبابها

إيناس ونوس: 

تُعتبر حيوية جيل الشَّباب معيار النشاط والتطور أيّ بلدٍ في العالم، ومدى قدرته على الإفادة من إمكانيات هذا الجيل وطاقاته وتسخيرها خدمةً للصالح العام. لذا فإن أيّ بلدٍ يقلُّ فيه الشَّباب المُثمر والمُنتج والمُتطلِّع للمستقبل يُعدُّ بلداً خاملاً وفي طريقه إلى الشَّيخوخة. وعلى هذا المبدأ صُنِّفت الدُّول بين شابّة وكهلة.

إلاّ أن تلك الطَّاقات الهادرة في أعماق هذا الجيل بحاجة إلى من يمدُّ لها يد العون كي يُفجِّرها ويوجه هذا الانفجار بما يُثمر فيما بعد نتائج إيجابيةً على المجتمع برمته. وبالطَّبع فإن هذه الطَّاقات لا تقتصر على جانبٍ مُعين أو مُحدد، وإنما تشمل كل مناحي الحياة ورؤاها، ومن ضمنها المجالات الثَّقافية التي تهدف أيضاً لتنمية الوعي المجتمعي وتغيير بعض المفاهيم بما يتناسب مع الواقع الرَّاهن بما يحمله من أفكار ومتغيرات وتبدلات، من خلال الأعمال التي يقدِّمها الشَّباب والشَّابات الحاملين لأفكارٍ متجددة وخلاّقة. وحسبما أعتقد هذا ما كانت ترنو إليه وزارة الثَّقافة، أو ما يجب، حينما تُقدِم على إقامة مهرجانات خاصة بالجيل الشَّاب وبمنتجاته وطروحاته، كما يحدث اليوم.

فالمجال الثَّقافي مثله مثل أيّ جانب من حياة مجتمعنا لا بدَّ له أن يحظى ببعض التَّطوير والتَّغيير في آليات العمل وأدواته، وهذا لن يتحقق إلاّ بضخ الدِّماء المُتدفقة والمُتجددة في أروقة الوزارة ومؤسساتها التَّابعة لها، مُتزامناً مع القناعة التَّامة من قبل المعنيين بأهمية هذا الفعل وضرورته، لا أن تكون مجرَّد بريستيج شكلي تتطلَّبه المرحلة الراهنة، مرحلة ما بعد الحرب التي كادت أن تقضي على البلاد وما فيها. لأن الطَّامة ستكون هائلة وقاتلة إن كان أي عمل أو مشروع مُنطلقاً من مبدأ الشَّكليات وتعبئة الأجندات فقط. فجميعنا بحاجة إلى إعادة إعمار تبدأ من دواخلنا بعد كل الخراب الذي مسَّنا، وهذا الإعمار لا بدَّ لوزارة الثَّقافة أن تكون حامل لوائه بالدَّرجة الأولى، من خلال مديرياتها ومؤسساتها كلها ليكون العمل كاملاً متكاملاً، فيتمكّن الشَّباب من تقديم رؤاهم وطاقاتهم وإمكانياتهم، مُساهمين بالنتيجة في عملية التَّغيير وإعادة إعمار الإنسان السُّوري ومنظومة قيمه الأخلاقية والتَّربوية والنَّفسية ووووو إلخ. أمّا أن تبقى العقليات المُسيطرة وآليات عملها السَّابقة وأدواتها بالوتيرة نفسها، فإن ما ننشده لن يتحقق وسنبقى ندور في دوامةٍ لا خلاص منها، بل ربما يكون النُّكوص أكبر وأشدّ! فأبسط ما يمكن له الحدوث هو هروب تلك الإبداعات نحو الخارج بحثاً عن هواءٍ تتنفسه وتحقيقاً لذواتها، فتخدم تقدُّم من كانوا أحد أسباب الموت السُّوري.

لم تُتِحْ لي الفرصة لمتابعة ما طرح أو يُطرح حالياً، إلاّ أنني ككل السُّوريين لدي ثقةٌ كبيرةٌ بجيلنا الشَّاب وبحماسته وإقدامه، علماً أن بعض هذه التَّجارب بحاجة إلى التَّقويم والتَّوجيه، فإن حظيت بهذه المُساندة فمن البديهي أن تخضع هي أيضاً للتطور وخلق رؤى وأفكار جديدة واستنباط أخرى من أرض الواقع… فهلاّ عملت الوزارة المعنية على تمهيد الطَّريق أمامها؟

العدد 1102 - 03/4/2024